المقالات

بكائيات العربان في سيد الطغيان!!

1721 22:29:00 2007-01-04

( بقلم : د أحمد أبو مطر )

تم إعدام القاتل الطاغية المجرم صدام حسين صباح يوم السبت الموافق الثلاثين من ديسمبر من العام الماضي، ساعات قليلة قبل بدء مراسم عيد الأضحى المبارك، وكان رأيي وما يزال أن إعدامه شنقا هو حكمة إلهية حسب قوله تعالى (وما للظالمين من أنصار) و (فانظر كيف كانت عاقبة الظالمين) و ( سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) و (لا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)، وبالتالي فقد قضت الحكمة الإلهية أن يشرب ذلك القاتل من نفس الكأس المريرة التي سقاها لمئات ألآلآف من العراقيين من مختلف الطوائف والقوميات. و من المهم أن نتذكر أن محاكمة الطاغية امتدت حوالي عاما كاملا سمح له فيها بحضور المحكمة في بدلاته الأنيقة، وكان في كل جلسة يخاطب الغوغاء كما كان في فترة استبداده، وكان يدخل المحكمة وهو يحمل القرآن الكريم من باب التمثيل والضحك على الجماهير الغفورة، وهو يعلم أن هذا القرآن العظيم كما ذكرنا يحمل كل الإدانات له ولجرائمه، بينما هو كان يقتل ألآلآف بدون محاكمة وفي أحيانا كثيرة بمسدسه شخصيا كما فعل مع أعضاء قيادته القطرية والقومية في بداية استيلائه على السلطة، وكما قتل زوج ابنته رغد بمسدسه دون أن يفكر في مصير أطفاله الذين هم أحفاده!.بكائيات العربانومن حق أي معترض أو مستنكر لإعدامه أن يصرح بذلك،إلا أن نوعية التعبير عن هذا الاعتراض توضح بطريقة صارخة كارثة البلاغيات العربية التي تؤكد فعلا القول بأن (العرب مجرد ظاهرة صوتية)، وأنا متأكد أنه لم يكتب في الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عندما انتقل للرفيق الأعلى أية نسبة مما كتب في هذا الطاغية عند تنفيذ الحكم فيه، فعند وفاة الرسول بكى بعض المسلمين ولم يصدقوا،فوقف فيهم أبو بكر رضي الله عنه وقال قولته المشهورة:(من كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت). أما عرب الخطابة والبلاغة اليوم وهي سلاحهم الوحيد لدغدغة عواطف الجماهير الأمية، فقد قالوا في إعدام الطاغية ما لا يصدق، وسأعرض لبعض هذه النكات دون ذكر أسماء قائليها كي لا يفهم أنه تعريض شخصي بالأشخاص، فأنا يهمني هو تشخيص هذه الظاهرة فقط:أولا: كتب واحد من البكائين يقول: (قتلوك يا أبو الشهداء...قتلوك يا أبو عدي). تخيلوا هذا المجرم (أبو الشهداء)، فماذا بقي من صفات يمكن أن تعطى مثلا لشهداء الإسلام منذ عصر الرسول (ص)...أو للشيخ أحمد ياسين مثلا؟؟. ثم من يملك الحق في تصنيف البشر، أن هذا شهيد أو قتيل أو شيخ الشهداء؟؟.ثانيا: كتب آخر: (أخافتهم هيبة صدام وشموخ صدام ورفض صدام وتهديد صدام وعملقة الكبرياء ولتعيش الأمة). أنا شخصيا ورغم إنهائي للمرحلة الإعدادية من دراستي فلم أفهم شيئا عن هذه الهيبة والشموخ والتهديد والعملقة!!!.ثالثا: كتب آخر: ( فارقنا في الأمس بطل وقائد عربي لم يشهد تاريخنا العربي الحديث مثيلا له، فقد كان على الدوام قائدا شجاعا عربيا حرا مهيبا، فارقنا في الأمس شهيد الحرية والعروبة...أعدمت الأمة العربية بأسرها...أعدمت المروءة العربية والكرامة والشهامة والرجولة...لم يعدم صدام بل أعدم تاريخ العراق بأسره..لا بل تاريخ أمة عربية)...أين وماذا سيقول أنصار البطل العروبي جمال عبد الناصر؟.رابعا: يقول آخر: (رأيتهم ملثمين يقودونه نحو حبل المشنقة...يقودون اسما وتاريخا وبطلا ورمزا...وهل تعدم الأسماء؟ هل يعدم التاريخ؟ هل يموت الأبطال؟ هل تموت الرموز؟ هل مات صدام حقا؟ ما مات صدام...وما شنقوه وما أعدموه ولكن خيل لهم!!. من المهم ملاحظة استعارة أو تقليد الآية القرآنية الكريمة في السيد المسيح ( وما قتلوه أو صلبوه ولكن شبه لهم)!!.خامسا: كتب آخر (اغتيلت العروبة واغتيلت القيم والمبادىء والأعراف والقوانين السماوية والأرضية وكل معاني الآدمية وكسرت عقيدة فداء الإنسان، لينحروا رحمة الله التي أنزلها في كتبه وعلى رسله..). أعتقد أن هكذا بكائيات لا تحتاج لتعليق,سادسا: وكتب آخر (لم يعدموا صدام، لكن أعدمونا كلنا من مأرب في الشرق حتى القيروان...لم يعدموا صدام لكن أعدموا عدنان مع قحطان)...وفي هذا الموقف لا أملك إلا أن أقول (عظّم الله أجركم) في وفاة أمة متوفية منذ زمن قحطان و عدنان!!!.سابعا: كتب آخر (كان صدام يعتبر ثروات العراق هي ثروات العرب)، وهذا الكلام صحيح بالنسبة للقائل فقد كان ممن أكرمه صدام بالمال والجاه، عندما رفض وساطة المرحوم الملك حسين في الإفراج عن عدد من السجناء الأردنيين، واستدعى المذكور وأفرج عنهم ليعود بهم في همروجة وفزعة لا مثيل لها!!!.ثامنا: ما تسمى (حركة القوميين العرب)، أصدرت بيانا قالت فيه: (قرار إعدام صدام حسين في عيد التضحية أطاح بتوازنات تاريخية في المنطقة وأصاب العرب بنكبة قد يتبين أنها أخطر من نكبة فلسطين)...تصوروا كم من مراكز البحث نحتاج لتحديد هذه (التوازنات التاريخية) التي أشك أن من كتبوا هذا البيان يعرفون ما يقصدون!! فهو مجرد كلام بلاغات فارغة، أترك الفتوى فيها لمركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، الذي آمل أن يكون على علم بهذه التوازنات التاريخية!!!.هذه الأمثلة تكفي لأن رصد كافة ما قيل يحتاج لعشرات المئات من الصفحات، وليت بعض المحايدين يقوم بدراسة هذه الظاهرة البلاغية الصوتية التي أصبحت سمة أساسية للعرب، ولا يوجد أي إنجاز عربي آخر في ميدان العلوم والاختراعات والتكنولوجيا والصناعات.هل هذا المجرم أول من يعدم صباح العيد؟بعض الدول العربية والعديد من الأشخاص والمنظمات، أقرت أنه يستحق الإعدام ولكن ما كان يجب إعدامه صباح عيد الأضحى، وأعتقد أن هذه مسألة شكلية لا قيمة لها فهي ليست غريبة على الثقافة العربية الإسلامية فقد سبق وفي عهد قريب لعهد الرسول أن تم تنفيذ الإعدام صبيحة يوم العيد وبطريقة أبشع من طريقة إعدام المجرم صدام، وكما لفت انتباهي الزميل الدكتور شاكر النابلسي لهذه الحادثة ففي العام 124 للهجرة في العصر الأموي وفي الكوفة بالعراق تحديدا، وفي عهد الخليفة هشام بن عبد الملك، خطب أمير العراق آنذاك خالد بن عبد الله القسري في المصلين خطبة عيد الأضحى، وقال في خطبته: (أيها الناس، ضحوا تقبل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا)، ثم نزل عن المنبر وذبحه بسيفه،أمام مئات من المصلين في صلاة عيد الأضحى، فلماذا نلوم المالكي وحكومته على ما هو أساسي و جوهري في الثقافة العربية الإسلامية؟ مع التذكر أنه في ذلك الوقت في زمن الخليفة هشام بن عبد الملك لم يكن هناك جورج بوش ولا قوات تحالف دولي كي نتهمهم بأنهم وراء العملية نكاية بالإسلام والمسلمين، فهل يعقل أن الخليفة هشام بن عبد الملك وأمير العراق خالد بن عبد الله القسري كانوا يضمرون شرا بالإسلام والمسلمين؟!!.أرى أن إعدام القاتل صدام بهذه الطريقة كان مناسبة لفئتين:الأولى: ضحاياه بمئات ألآلآف ليتيقنوا من رحمة الله التي أشرت إليها، ولترتاح ضمائرهم من حكمة و دلالة (وبشر القاتل بالقتل ولو بعد حين).الثانية: هولاء كتاب البكائيات العربية كي ينعوا لنا الأمة العربية، وبالتالي فإن أمة يتم نعيها بسبب إعدام مجرم منها لا تستحق إلا النعي، وها هو قد جاء من القائمين على أمور الوحدة ذات العلاقة ب (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة).وهنا لا أملك إلا التعزية بالقول (عظّم الله أجركم)!!!. وهنا أيضا أتذكر حديث الرسول (ص): " ما من عبد ظلم فشخص ببصره إلى السماء إلا قال عزّ و جل: لبيك عبدي لأنصرنك ولو بعد حين "...يا الله كم من مئات ألآلآف كانوا قد شخصوا بأبصارهم نحو السماء كلما قتل المجرم العشرات والمئات وألآلآف منهم!!!.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك