محمد محمود مرتضى
اينما توجهت في العالم الاسلامي من المحيط الى الخليج ( باستنثاء المملكة العربية السعودية) وجدت المسلمين يزورون القبور، يتبركون بالائمة والاولياء. واذا نظرت الى حجاج بيت الله وزوار الروضة النبوية الشريفة، لم تستطع ان تفرق بين مذهب وآخر. كل الحجاج دون تفرقة، يسعون للتبرك بقبر النبي، ويسألون الشفاعة.
في مصر تنتشر المقامات، سيدي الحسين، السيدة زينب وغيرهما. وفي دول المغرب العربي تنتشر ايضا الطرق الصوفية ومقامات الاولياء، من المغرب الى الجزائر ومن تونس الى ليبيا، في تركيا وسوريا وايران والعراق، عند الحنفي والشافعي والمالكي والشيعي، وعند المولوية والنقشبندية والتيجانية والشاذلية والرفاعية والقادرية وغيرها من الطرق الصوفية.
وعندما يتبرك هؤلاء بمقامات الائمة الاولياء فلا يشك احد ولو للحظة واحدة انهم لا يقصدون بذلك عبادتهم او جعلهم شركاء لله.
ابن تيمية يكفر جميع المسلمينكانت هذه العادات هي ديدن المسلمين منذ عهد النبوة، ولا اجد داعيا للاتيان بالشواهد التاريخية المؤيدة فهي تكاد تكون متواترة، وانتهجها السلف الصالح ولم يمنعها الفقهاء الا عند ظهور فتاوى ابن تيمية.
وحتى هذه الفتاوى كادت ان تندثر لولا ان أعاد محمد بن عبد الوهاب احياءها ونشرها بل قتل وقاتل لأجلها مذ ان تحالف مع آل سعود.
خالف ابن تيمية اجماع المسلمين في بناء المساجد على القبور والتبرك بقبر النبي او زيارته وزيارة قبور اولياء الله الصالحين، وهو لم يحرمها وحسب بل عمد الى اتهام فاعلها بالشرك ليصبح محلل الدم، فها هو يقول : "فإن بناء المساجد على القبور ليس من دين المسلمين بل هو منهي عنه بالنصوص الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفاق أئمة الدين بل لا يجوز اتخاذ القبور مساجد سواء كان ذلك ببناء المسجد عليها أو بقصد الصلاة عندها بل أئمة الدين متفقون على النهي عن ذلك وأنه ليس لأحد أن يقصد الصلاة عند قبر أحد لا نبي ولا غير نبي وكل من قال: إن قصد الصلاة عند قبر أحد أو عند مسجد بُني على قبر أو مشهد أو غير ذلك، أمر مشروع بحيث يستحب ذلك ويكون أفضل من الصلاة في المسجد الذي لا قبر فيه: فقد مرق من الدين، وخالف إجماع المسلمين. والواجب أن يستتاب قائل هذا ومعتقده فإن تاب وإلا قُتل".
الوهابية تحيي تراث ابن تيمية التكفيريتابع ابن عبد الوهاب ومن جاء بعده من الوهابية ابن تيمية في فتواه فاعتبروا التوسّل من مظاهر الشرك، وعلى الإنسان المؤمن "أن لا يتوسّل إلى الله بأحد أنبيائه وأوليائه، فإن فعل، وقال - مثلاً - : يا الله أتوسّل إليك بنبيّك محمّد أن ترحمني فقد سلك مسلك المشركين، واعتقدَ ما اعتقدوا".
ورغم ان جميع المسلمين على اختلاف مذاهبهم يزورون القبور ويتوسلون بالائمة والاولياء الا ان الوهّابيّة رفضت مبدأ زيارة القبور حيث قالوا: "أن لا يقصد ـ الإنسان المسلم ـ قبر النبيّ للزيارة، ويشدّ إليه الرحال، وأن لا يتمسّح به، ولا يمسّه، ولا يدعو الله ويُصلّي لله عنده، ولا يُقيم عليه بناءً ولا مسجداً، ولا ينذر له" محتجّين بأنَّ النبيّ صلى الله عليه واله وسلم بعد موته لا يضرّ ولا ينفع.
ولم تحصر الوهابية هذه الفتوى في طي الكتب بل عمدت الى تنفيذها، فشهدت المناطق التي تسيطر عليها هدما للقبور وكل بناء بني على قبر، وكان اشدها واخطرها هدم مقابر أئمة البقيع في المدينة المنورة.
ومع سيطرة داعش وغيرها من حركات تكفيرية وهابية على بعض المناطق في ليبيا وسوريا واخيرا في العراق وقبلها في افغانستان، عمد هؤلاء الى هدم مقامات ومساجد على مرأى من العالم الاسلامي كله.
لقد بات واضحا للجميع ان هذا الفكر التكفيري الداعشي هو وليد الفكر الوهابي اولا واخيرا. ويمكن لاي شخص ان يراجع كتب ابن تيمية وابن عبد الوهاب ليلمس ذلك.
ولا غرابة ان تجد هذا الفكر التكفيري ينبع من المدارس الوهابية الدينية ومن يتخرج منها. لكن ان تجد ان هذه الافكار تُدرّس في المدارس التربوية الحديثة في المملكة وليس فقط في المدارس الدينية المتخصصة فان لذلك شأناً آخر.
خاصة اذا علمنا ان هذا الفكر التكفيري يُزرع في عقول الاطفال وهم بعمر السابعة.
الفكر الداعشي يبدأ من الصفوف الابتدائية في مدارس المملكة الوهابيةتدرس مادة العقيدة الاسلامية في المدارس السعودية ابتداء من الصف الاول ابتدائي حتى نهاية المرحلة الثانوية. وفي جميع هذه المراحل يرافق الطلاب كتاب العقيدة تحت اسم " التوحيد".
اذا فتحنا كتاب التوحيد المخصص للصف التاني ابتدائي ( بالعادة يكون الطالب في هذا الصف وهو بعمر السابعة) فاننا سنجد درسا مخصصا عن الشرك وقد كتب في احد الامثلة عليه "دعاء الاموات" والذي يعني كل ما يتعلق بالاموات من التبرك او التوسل بهم او زيارة قبورهم وما الى ذلك .
منذ سن السابعة تدرس الوهابية وتزرع في عقول الاطفال ان ما يمارسه عموم المسلمين من اقصى الارض الى اقصاها هو شرك، وبالتالي فان جميع المسلمين، باستثناء الوهابية، هم مشركون ما يعني اباحة دمائهم واعراضهم واموالهم.( ستكون لنا وقفات مع المراحل الدراسية الاخرى).
فاذا كان ابن السابعة من العمر يدرس هذه الافكار فما بالنا بمن يخرج من المدارس الوهابية الدينية؟ّ!! وكيف يمكن لاحد ان يتعجب من انتشار الدواعش في عالمنا الاسلامي؟
ان الفكر الداعشي التكفيري تبدأ صناعته من هناك، من الصف الثاني ابتدائي، في مدارس المملكة العربية السعودية الوهابية. المملكة التي كما انه يوجد فيها دواعش سنة ثانية ابتدائي، يوجد فيها ايضا دواعش اميون لكنهم يحملون دكتوراه فخرية.
19/5/140829
https://telegram.me/buratha