لم يصدق أهالي منطقة فاتح المحافظة في إسطنبول، عيونهم وهم يرون تظاهرة حاشدة خرجت من مسجد الفاتح بعد صلاة الجمعة، رُفِعت خلالها رايات تشبه علم «داعش» مع صيحات تكبير، ودعوات إلى إقامة «الخلافة الإسلامية» مجدداً.
لكن، سرعان ما أدرك الحضور أن التظاهرة نظمها «حزب التحرير»، وأن العلم المرفوع ليس علم «داعش» وإن شابهه.
ارتسم القلق على وجوه كثيرين، بعد ربطهم هذا المشهد بالأخبار التي وردت من تل أبيض قبل يومين عن تسلُّل عشرات من تنظيم «داعش» بين اللاجئين ودخولهم تركيا، خصوصاً أن الإعلام التركي خرج الأسبوع الماضي بخبر إصدار التنظيم مجلة شهرية باللغة التركية، موجّهة إلى أهالي إسطنبول، تعدهم بفتح المدينة مجدداً وتخليصها من «الحكم العلماني الغربي».
ينشغل الإعلام والسياسيون الأتراك الآن، بتداعيات سيطرة قوات الحماية الكردية على تل أبيض، ورسم منطقة حكم لهم بمحاذاة الحدود التركية في شمال سوريا.
لكنّ بعضهم يشير - ولو بخجل لا يستر القلق - إلى تداعيات سقوط المدينة على يد «داعش»، واحتمال فتح جبهة تركية للتنظيم الذي قد يخسر مواقع أخرى في سوريا .
وعلى رغم التعتيم الإعلامي الذي تمارسه الحكومة مع تفاصيل التفجير في دياربكر عشية الانتخابات البرلمانية التركية في السابع من الشهر الجاري، والذي أدى إلى مقتل شخصين وجرح عشرات ممن كانوا في التظاهرة الانتخابية لحزب الشعوب الديموقراطية الكردي المستهدف بالتفجير، إلا أن بعض وسائل الإعلام ركز بإصرار على معلومات حصل عليها، تفيد بأن منفذ التفجير مواطن تركي انضم إلى «داعش» قبل سنتين وجنّد إخوته الثلاثة تحت سمع وبصر الأمن التركي الذي لم يلاحقه، على رغم دخوله وخروجه المتكررين من سوريا، وإبلاغ ذويه عنه وعن انتمائه إلى التنظيم.
والتفجير هو الثالث في تركيا الذي ينفّذه «داعش» بعد تفجير أنطاكيا في أيار (مايو) 2013، وحادث مماثل نفّذته انتحارية في منطقة السلطان أحمد خلال كانون الثاني (يناير) الماضي.
ويبدو الشارع الكردي في تركيا الآن الأكثر قلقاً من انتقال معركة أبناء جلدته في شمال سوريا مع «داعش» إلى تركيا، خصوصاً وهو يرى سياسة حكومة حزب «العدالة والتنمية» مترددة في التعامل مع الأكراد، بين اعتبارهم شركاء في حل قضيتهم، يجب الحوار معهم تارة، وبين وصف أحزابهم بأنها إرهابية، واتهامهم بدعم قوات الحماية الكردية في شمال سوريا تارة أخرى، بعد عودة عشرات الجثامين لعناصر من تلك القوات لتُدفَنْ في تركيا، بعد انضمام أكرادها إلى القتال ضد «داعش» على الأرض السورية.
وتُبدي حكومة أنقرة انزعاجها من المستجدات على الحدود الجنوبية، إلى درجة اتهام واشنطن ضمنياً، في تقرير أمني استخباراتي ناقشه الرئيس رجب طيب أردوغان مع حكومته قبل يومين، وعبّر عن مضمونه بقوله أن قوات التحالف تقصف التركمان والعرب وتزرع القوات الكردية «الإرهابية» في المنطقة.
وتبحث أنقرة سبل واحتمالات تدخُّل عسكري هناك، لكنها تُدرِك أن الوضع الحالي للحكومة لا يسمح بمغامرات من هذا النوع، قد توجّه ضربة جديدة إلى شعبيتها قبيل انتخابات مبكرة، يبدو الاحتكام إليها شبه أكيد .
في المقابل ترفع المعارضة صوتها مجدداً، مُطالبةً أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بمراجعة السياسة الخارجية لأنقرة تجاه سوريا قبل فوات الأوان، وقبل أن يتجاوز القلق الرسمي لتركيا حدود التمدد الكردي على حدودها، إلى التعامل مع «داعش» على أرضها.
لكن القصر الرئاسي لا يبدو في وارد ذلك، إذ يعتقد بأن المعركة الكبرى بالنسبة إلى سَيِّدِهِ هي إعادة «حزب العدالة والتنمية» إلى الحكم منفرداً مجدداً، وهي معركة تستعد المعارضة لها .
..................
https://telegram.me/buratha