المطالبة بتقنين بيوت الدعارة ليست الدعوة الأولى من نوعها، فقد سبق أن طالبت المخرجة إيناس الدغيدي، بترخيص بيوت الدعارة في مصر، معتبرة أنها تحمي المجتمع وقد تشكل حلاً لإنهاء قضايا التحرش الجنسي، خاصة أن الأمر موجود ولا يمكن إنكاره، على حد تعبيرها.
ودعت الكاتبة نوال السعداوي، بتقنين الدعارة ووضعه تحت إشراف الحكومة بشكل قانوني، يسمح للعاهرات بممارسة الفحشاء مع الرجل الشرقي، واصفة الرجل الذي يبحث عن الدعارة بـ”المريض”، مؤكدة أن المجتمع ينصر خطأ الذكور ويرفض خطأ النساء، وهو الظلم الاجتماعي الذي وصفته بميل ميزان الحق نحو الذكور، والأمر الذي اعتبرته أول أسباب انتشار الفحشاء.
وشددت السعداوي، في ندوة ثقافية، تناولت الحديث عن العديد من الأمور الهامة بالمجتمع المصري، ومنها ختان الإناث وحرية المرأة والفقر والجهل واستغلال السلطة من قبل السياسيين ضد الضعفاء، على أن ممارسة الفحشاء في العلن، أفضل من ممارستها في الخفاء.
وتحدثت الكاتبة المعروفة، عن كتابها الأخير الذي وصفته بـ”الواقع غير المرغوب في قوله”، مؤكدة أن المجتمعات لن تتغير إلا من خلال الصراحة والاعتراف بالمشاكل الموجودة في المجتمع، فضلًا عن إخفاء الحقائق والعيوب المجتمعية الموجودة في كافة المجتمعات.
وأوضحت السعداوي، أن المرأة المصرية تعيسة بسبب هيمنة الرجل وسلطويته، ويشجعه المجتمع على إقامة علاقات خارجية مع الآخرين، ويحرمها على المرأة، وتأتي الخيانة من الرجل الضعيف على عكس القوى الذي يصون العلاقة وكذلك المرأة.
ويأتي الرفض الشعبي لدعوة الكاتبة نوال السعداوي، بترخيص الدعارة، رغم أنها ظلت تحت مظلة الحكومة طوال 118 عامًا، حتى تم تجريمها عام 1949.
من جانبه، أكد الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، وعضو بالمجلس القومي للمرأة، أن مثل تلك الدعوات لا تحتاج إلي رأى، فالجتمع لن يوافق على ترخيص الدعارة، مؤكدًا أن الشعب المصري يرفض متل تلك الدعوات،
وتابع: "الشيطان يتكلم ويدعو الإنسان إلى المعصية”، مستشهدًا بالآية الكريمة "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم” .
وأضاف الهلالي، أن الكاتبة ستأتي يوم القيامة وتقول "إني دعوتكم وليس لي عليكم سلطانًا”، مؤكدًا أن تقنين الدعارة في مصر أمر مرفوض جملة وتفصيلًا.
وأردف: "المصدر الرئيسي للتشريع في مصر هو الدين الإسلامي، وبالتالي من الصعب أن يتم الموافقة على دعوة السعداوي، ومن الصعب أن يصدر تشريع بذلك، خاصة أن الدعارة تتنافى مع الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي”.
الكاتبة نشوى الحوفي، عضو المجلس القومي للمرأة، رفضت التعليق على تلك الدعوات، قائلة: "إننا منذ زمن بعيد نرفض التعليق والرد علي الكاتبة نوال السعداوي”، مكتفية بقولها: "إن مثل تلك الدعوات ليست من الدين والأخلاق المصرية”.
يأتي هذا، فيما قال عاطف مخاليف وكيل لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، إن حديث الكاتبة نوال السعداوي ومطالبتها بتقنين الدعارة في مصر "تخريف وهذيان لسيدة بلغت من العمرة أرذله”، مشيرًا إلى أن البرلمان المصري لن يقدم على هذه الخطوة مطلقًا.
وعلى عكس ما يظن الجميع كانت الدعارة قبل مرور 67 عامًا في مصر، جزءًا من نسيج هذا المجتمع الذي عاش في أربعينات القرن الماضي، على مشاهد بالنسبة لنا اليوم غير قابلة للتصديق، شاهد رخصة "مزاولة العهر”، وعرف أماكن ممارسة البغاء المرخصة بدون ارتباطها بمشاهد "كبسة البوليس”.
كما أنه من الطبيعي في تلك الفترة، أن تخضع الفتيات للكشف الطبي لممارسة البغاء، وتحصل على ترخيص، ثم تزاول مهنة "الدعارة” تحت أعين الجميع، وهي المشاهد التي أعادتها مطالب منظمة العفو الدولية بعدم تجريم ممارسة الدعارة، وذلك وفقاً لما جاء باجتماعها الأخير الذي يستمر من 7 وحتى 11 أغسطس، كل عامين، وهي المطالب التي أثارت ردود أفعال متنوعة على مستوى العالم، برفض الفكرة التي اعتبرها الجميع إهانة للمرأة التي تمارس الجنس نظير الحصول على المال، ورفض مبدأ البغاء كمهنة مهينة للمرأة والمجتمع بشكل عام.
أما في مصر، فلم تثر المطالب الاستياء والجدل فحسب، ولكنها أثارت أيضًا الذكريات والخيالات عن عودة حقبة طويلة من "الدعارة المقننة” والتي استمرت في مصر
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha