رغم تبرير عدد من علماء ومشايخ أهل السنة الذين حضروا مؤتمر العاصمة الشيشانية غروزني الخاص بتعريف من هم أهل السنة والجماعة، فإن موجة الغضب بين العلماء والإعلاميين السعوديين مازلت مستمرة؛ رافضين التبريرات التي صدرت ومطالبين بأخذ موقف حازم تجاه من شارك وأصدر البيان.
ويقول إمام وخطيب جامع النفيسة بالرياض سعود بن علي الحنان في حديث صحفي إنـه "كثر الحديث حول مؤتمر الشيشان ومن يقف وراءه، وكأن المؤتمر عُقد في مكة!".
فمثل هذه المؤتمرات سياسية، ليس لها قيمة شرعية أو جماهيرية! لأنه أقيم في دولة محكومة من روسيا، ليس لها وزن في العالم الإسلامي، وهدفها القضاء على السلفية؛ لأنها تعتقد أن من حارب روسيا (وفكك الاتحاد السوفيتي سابقاً) هم أتباع المدرسة السلفية الجهادية، ومعظم من يحارب في سوريا أيضاً من بلاد الشيشان، لذا نجد البيان الختامي فيه إقصاء للسلفية عموماً.
وأضاف "إن بيان المؤتمر زبد وسيذهب جفاء، كما أن بلاد القوقاز تعاني منذ زمن من تمكن أهل الخرافة مدعومة من روسيا وإيران، فالمؤتمر ليس جديداً بهذا الشأن، فهو واقع عملي لتلك البلاد؛ وبلادنا ولله الحمد مهبط والوحي ومنبع الرسالة لديها الخطوات العملية لجمع العلماء من بلاد المسلمين، في مكة والاستفادة من الحج، فأتمنى من وزارة الشؤون الإسلامية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي تبصير المسلمين بما يحاك ضدهم لاسيما أهل السنة والجماعة، وتضمين ذلك في البيان الختامي لممؤتمر ندوة الحج الكبرى".
كما حذرت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء من الدعوات التي تهدف إلى إثارة النعرات وإذكاء العصبية بين الفرق الإسلامية، تعليقًا على البيان الختامي للمؤتمر، مؤكدة أن كل ما أوجب فتنة أو أورث فرقة فليس من الدين في شيء، وليس من نهج محمد صلى الله عليه وسلم في شيء، الذي تنزل عليه قول الله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء).
وأضافت في بيان لها اليوم: إنه في محكم كتاب الله عز وجل وسنة رسوله محمد أنه لا عز لهذه الأمة ولا جامع لكلمتها إلا كتاب الله وسنة رسوله وأن أمة الإسلام أمة واحدة، وتفريقها إلى أحزاب وفرق من البلاء الذي لم تأتِ به الشريعة، وعلى الإسلام وحده تجتمع الكلمة، ولن يكون ذكر ومجد لهذه الأمة إلا بذلك، قال الله تعالى: (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون).
وأورد البيان أنه "في ضمن ذلك، فإن الفقهاء والعلماء والدعاة ليسوا بدعاً من البشر، فأنظارهم متفاوتة، والأدلة متنوعة، والاستنتاج متباين، وكل ذلك خلاف سائغ، ووجهات نظر محترمة، فمن أصاب من أهل الاجتهاد فله أجران، ومن أخطأ فله أجر".
والخلاف العلمي - بحد ذاته - لا يثير حفائظ النفوس، ومكنونات الصدور؛ إلا عند من قلّ فقهه في الدين، وساء قصده ونيته.
من جهة أخرى برر الدكتور الشريف حاتم العوني حضوره للمؤتمر وقال عن كل من نقد البيان.
ماذا لو خرج مؤتمر الشيشان بأن أهل السنة هم أتباع السلفية المعاصرة وحدهم؟ كما يحصل في عامة محافل السلفيين وكتبهم؟!
وحول النتائج التي خرج بها المؤتمر وأغضبت جمهور أهل السنة والجماعة، علق العوني: "ماذا لو خرج مؤتمر الشيشان بنتيجة مفادها أن السلفية هم وحدهم أهل السنة، وأن الأشعرية والماتريدية مبتدعة ضُلال، وأن الصوفية - بإطلاق - بين مبتدع ضال خرافي ومشرك كافر قبوري، كما تُقرر ذلك عامةُ المحافل والدروس والكتب والمقالات السلفية؛ هل كان الموقف سيختلف من المؤتمر؟! هل كان انعقاده في الشيشان سيكون سبباً للهجوم؟!
وأضاف: "منتقدو المؤتمر إن كانوا من الإقصائيين، فلا يحق لهم الإنكار أبداً، وعليهم أن يخجلوا من تناقضهم الفاضح؛ وإن كانوا ممن يستوعبون الجميع، فأنا معهم في نقده، كما أعلنت ذلك قبل صدور بيانه الختامي وبعد صدوره، وقد أعلنت موقفي في المؤتمر نفسه.
وأي مؤتمر أو محفل أو محاضرة أو كتاب يشرذم الأمة، ويشتت جماعتها، ولو انعقد في مكة المكرمة أو في المدينة المنورة أو في الرياض أو الدوحة أو إسطنبول، بجعل أتباع السلفية المعاصرة وحدهم أهل السنة والجماعة، أو بجعل الأشعرية والماتردية وحدهم هم أهل السنة والجماعة فسيكون في صالح كل عدو للإسلام والمسلمين من الشرق أو الغرب؛ لأنه يُضعف المسلمين ويُذهب ريحهم. فمع الإقصاء وتفريق الصف لن يكون لبلد استضافة المؤتمر أثر، فكل تفريق للأمة هو في صالح أعدائها، ولو خرج من مؤتمر أو محفل عُقد في مهبط الوحي أو مهاجَر الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم)، بل ربما سيكون انعقاد هذا المؤتمر في بلد إسلامي أخطر وأضر؛ لأنه يزيد من شعبيته ومن التأثر بنتائجه.
وأكد العوني حرصه على أن يخرج المؤتمر بتوصيات وتقرير يتسع للجميع قائلاً: "حضرت مؤتمر الشيشان عن مفهوم أهل السنة والجماعة، وكنت حريصاً مع غيري على أن يخرج بتقرير يتسع فيه هذا اللقب ولا يضيق، لكن كان التوجه العام في المؤتمر على أن يقتصر على الأشعرية والماتردية؛ وقد علقت بهذا الطلب في المؤتمر، وهو الطلب الذي يُدخل فيه المعتدلين من كل المدارس التي تعظم السنة والسلف، و نشرت في حسابي في الفيس وتويتر تقريري قبل يوم من البيان الختامي، والذي كان مضمونه أن أهل السنة والجماعة هم عندي في هذا الزمان: كل من عظم السنة والصحابة والسلف من معتدلي الأشعرية والماتردية والسلفية والصوفية. ممن لا يكفر مخالفه، ولا يتديّن بسلبه المطلق لشيء من حقوق أخوته الإسلامية (حباً وتعاوناً ونصرة) بحجة التضليل أو التكفير.
وختم حديثه متميناً لو أن المؤتمر خرج ببيان أكثر اتساعاً للمخالف، "لكني أعلم أن عامة السلفية لن يرضوا حتى لو أدخلوهم معهم؛ لأنهم كانوا ومازالوا يحتكرون هذا اللقب، ويبدعون ويضللون وربما كفّروا مخالفهم. فهم لن يرضوا إلا أن يكونوا هم وحدهم أهل السنة والجماعة؛ فلا يحق لمن مارسوا التبديع والتضليل والإقصاء لعقود أن يعيبوا من قابل إقصاءهم بإقصاء وتضليلهم بتضليل. ولكن يحق لمن كان يتسع معتقدُه وتقريره وإنصافُه للجميع أن يكونوا تحت مظلة أهل السنة والجماعة أن يعتب على البيان: أنه قابل الإقصاء بإقصاء، والتبديع بتبديع".
يذكر أن العاصمة الشيشانية غروزني استضافت المؤتمر بهدف تعريف هوية أهل السنة والجماعة، إذ استثنت توصياته تلك التيارات من التعريف، كما لم تدرج المؤسسات الدينية في المملكة ضمن المؤسسات التعليمية العريقة.
وتضمنت توصيات المؤتمر الذي حمل عنوان: "من هم أهل السنة والجماعة؟"، أن أهل السنة والجماعة هم "الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيةً".
https://telegram.me/buratha