ظهر مجلس العموم البريطاني شبه خالٍ خلال جلسة طارئة لمناقشة الكارثة الإنسانية جرّاء الحرب التي يقودها التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.
ورغم خطورة الكارثة وأهمية الجلسة، لم يحضر إلا 30 نائبًا من أصل 650 نائبا، ما أثار سخرية رواد التواصل الاجتماعي الذي انتقدوا صورة الغرفة شبه الفارغة التي انتشرت على الإنترنت، معلقين عليها: "مقزز تماما، ذلك يدل على أنها ليست أولوية"، بحسب صحيفة "إندبندنت" البريطانية".
وقال النائب أندرو ميتشيل، وزير التنمية الدولية السابق، خلال المناقشة: "هناك قلق متزايد في بريطانيا بشأن ما يحدث في اليمن، والدور الذي تلعبه بريطانيا في هذه الأزمة، هناك قلق شديد من أن كارثة كبيرة تتكشف في اليمن أمام أعيننا، وخوف كبير من أن بريطانيا متواطئة بشكل خطير فيها".
وتابع ميتشيل: "السلطات السعودية تمنع شحنات المساعدات الغذائية والأدوية من دخول اليمن، وهناك 7 مدن على الأقل قد نفدت فيها المياه النظيفة، ولم تتمكن وكالات الإغاثة من إدخال الغذاء فيها للجائعين"، مضيفًا أن "تدمير مرافق المياه النقية والصرف الصحي مسؤول مباشرة عن تفشي الكوليرا في وقت سابق من هذا العام، الذي يؤثر على قرابة مليون شخص".
لكن السيد ميتشيل عزا ضعف نسبة الحضور إلى أن "العديد من أعضاء البرلمان لديهم التزامات في الدائرة الانتخابية في يوم المناقشة، وأن عددا قد قدم اعتذاره لعدم قدرته على الحضور"، لكنه يؤكد أن دعوة رئيس مجلس النواب، جون بيركو، لعقد تلك الجلسة "تؤكد خطورة الوضع".
مطالبة بوقف التسليح
وكان بين الحاضرين أثناء المناقشة، إميلي ثورنبيري، وزيرة خارجية الظل، التي عبرت عن استيائها من ضعف الحضور، رغم "أكبر أزمة إنسانية في العالم" على حد وصفها، لافتةً إلى أن المملكة المتحدة مسؤولة جزئيا عن الكارثة. ودعت الحكومة إلى وقف مبيعات الأسلحة إلى السعودية التي تقصف اليمن.
وردا على سؤال، قال وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، أليستر بيرت أن المسؤولين البريطانيين فى المملكة العربية السعودية يراقبون الغارات الجوية لضمان استخدام الأسلحة المصنوعة فى المملكة المتحدة بشكل مناسب.
وكانت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية، ذكرت أن أكثر من 50 عسكريًا بريطانيًا يشرفون على تدريب الجنود السعوديين بشكل سري، على المهارات القتالية في هذه الحرب التي أطلقت عليها تسمية "الحرب القذرة"، حسب وصفها.
لكن بيرت يبرر سبب وجود الضباط هناك قائلا: "لدينا عملية قانونية وبرلمانية صارمة، وضمان عدم انتهاك القانون الإنساني الدولي هو جزء حيوي من ذلك، والمعلومات التي يقدمها ضباط الاتصال ضرورية لضمان احترام التزاماتنا الدولية، هذا سبب وجودهم هناك".
تقرير ديلي ميل
ونقلت الـ"ديلي ميل"، عن ميتشيل، قوله: "إن مشاركة الجيش البريطاني في هذه الحرب تعتبر جزءاً من التواطؤ المخجل لبريطانيا في هذه المعاناة"، مطالباً الحكومة البريطانية بتقديم إجابات في مجلس العموم عن دور بريطانيا في العملية العسكرية السعودية في اليمن.
وكشف التقرير عن أن عملية "الطرق المتقاطعة"، تشمل مشاركة جنود من الكتيبة الثانية من الفوج الأسكتلندي، وتدريب الضباط في المعهد الملكي السعودي لقوات المشاة البرية على أساليب الحرب غير النظامية، وهو اسم يطلق على التدريبات المخصصة لمواجهة الإرهابيين.
وبينت الصحيفة أنه نظرا للقلق المثار حول العملية العسكرية السعودية، فإنه كان من المفترض ألا يكشف عن عملية الطرق المتقاطعة، التي ظهرت دون قصد عندما تم نشر ملخص وصور على موقع الفوج الأسكتلندي بالـ"فيسبوك"، حيث ظهر في الصور مدرب بريطاني يقف أمام خريطة اليمن وهو يشرح استراتيجية محتملة، مشيرة إلى أن وزارة الدفاع حاولت معالجة الأمر سريعا، فقام مراسل صحفي بالاتصال مع الوزارة التي سارعت خلال 20 دقيقة لإزالة الصور.
ونوه التقرير إلى أن بريطانيا باعت للسعودية أسلحة بمليارات الجنيهات، ويعتقد أن القنابل البريطانية استخدمت في الغارات الجوية على اليمن، لافتاً إلى أن وزارة الدفاع قالت إن "بريطانيا لا تدرب القوات السعودية على نشاط غير نظامي، بل تقدم دورات حول مواجهته".
ارتفاع نسبة المبيعات
وأثارت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية أزمة مبيعات الأسلحة أيضًا، موضحة أنه قد تم بيع أسلحة بقيمة 4.6 مليار جنيه استرليني في أول سنتين من الحرب في اليمن، ما يعني ارتفاعها بنحو 500%. وأشارت كذلك إلى أن بريطانيا تجري أيضا برنامج تدريب للقوات السعودية، بما في ذلك برنامج مساعدة سلاح الجو السعودي لتحسين قدرتهم على عمليات الاستهداف.
وتابعت الصحيفة: "الحكومة البريطانية تصدر عددا متزايدا من تراخيص التصدير، على الرغم من تصاعد الأدلة على انتهاكات إنسانية"، مشيرة إلى أنه قد تم العثور على قنابل بريطانية الصنع في موقع التفجيرات التي تعتبر انتهاكا للقانون الدولي.
وتظهر أرقام وزارة "التجارة الدولية" البريطانية أنه في العامين السابقين لحرب اليمن، تمت الموافقة على تراخيص بيع أسلحة للسعودية بقيمة 33 مليون جنيه استرليني.
ومن بين المعدات التي يتم بيعها قنبلة "رايثيون بافيواي"، التي عثر عليها في موقع الغارة الجوية التي ضربت مخازن الأغذية الحيوية في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، و"بريمستون" و"ستورم شادو" و"بي جي إم 500 هاكيم" وصواريخ الإنذار.
لكن المحكمة العليا في بريطانيا، بعد الاطلاع على أدلة سرية، قالت إن بيع الأسلحة البريطانية للسعودية لا ينتهك القانون، ورفضت ادعاءات بأن الحكومة انتهكت القانون عندما قررت عدم تعليق مبيعات الأسلحة إلى السعودية التي تخوض حربا في اليمن، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "BBC".
مزاعم دفع رشاوى
وكان موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، زعم في تحقيق له، أن نوابًا من "حزب المحافظين "في البرلمان البريطاني تلقّوا رشاوي من السعودية، ما دفع إلى إرسال شكوى لجهاز مراقبة معايير البرلمان، في وقت تشهد فيه بريطانيا ارتفاعاً في وتيرة ما سماه الموقع "جهود اللوبي المؤيد السعودية".
ويشير التقرير الذي أعده "جامي ميريل" إلى أن الكشف عن هذه المعلومات يأتي في وقت تواجه فيه بريطانيا دعوات "لوقف تصدير السلاح إلى السعودية والضغط عليها لرفع الحصار الذي تفرضه على اليمن حيث تتهم بارتكاب جرائم حرب ضد الشعب اليمني المظلوم".
البرلمان الأوروبي يوافق على حظر بيع الأسلحة إلى السعودية
وتظهر آخر الأرقام الواردة حول سجلّ فوائد أعضاء البرلمان أن 13 نائبًا محافظًا، بمن فيهم الرئيس السابق لـ"مجلس الشرق الأوسط المحافظ"، ليو دوكيرتي، قبلوا ما مجموعه 116.600 ألف دولار من الضيافة في السعودية هذا العام وحده فقط، ما يثير المخاوف من أن هؤلاء النواب كان يتمّ "استعمالهم لغسل سمعة الحكومة في الرياض"، بحسب الموقع البريطاني.
ومن بين هؤلاء النواب ثمّة نائب واحد عن "الحزب الليبرالي"، هو ليام بيرن، كما يبيّن التقرير، وقد تلقّى "تبرّعات" تعادل قيمتها 8.964 آلاف دولار، ما يرفع فاتورة عملية الضغط وتحشيد الآراء السعودية إلى 126.939 ألف دولار هذا العام.
وإلى جانب رحلات درجة رجال الأعمال والإقامة الفندقية الفارهة، تشمل مصاريف تلك "الضيافة"، الولائم الراقية، والاجتماعات مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وكبار المسؤولين.
حظر بيع الأسلحة
وكان البرلمان الأوروبي، وافق على قرار يوصي بحظر بيع الأسلحة للمملكة العربية السعودية، وصوت لصالح القرار 539 نائبا، و13 نائبا ضده، فيما امتنع 81 آخرين عن التصويت.
يذكر أن البرلمان الأوروبي تبنى في فبراير/شباط 2016 قرارا حول الوضع الإنساني في اليمن يحتوي على دعوة إلى دول الاتحاد الأوروبي لوضع حظر على توريد الأسلحة إلى السعودية التي تترأس تحالفا عربيا بالتدخل عسكريا دعما للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
وانضمت كثير من المنظمات الأوروبية غير الحكومية إلى هذه الدعوة، إذ تعتبر أن الدول الأوروبية، بما فيها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا، تنتهك التشريعات الوطنية التي تحظر توريد الأسلحة إلى دولة متحاربة ودول تخرق حقوق الإنسان.
وقتل ما يقرب من 9 آلاف شخص في اليمن فضلا عن 49 ألف جريح منذ آذار/مارس 2015، وهناك واحد وعشرون مليون شخص —ثلاثة أرباع السكان- في حاجة إلى المساعدة الإنسانية.
https://telegram.me/buratha