خلافاً لما كان يشتهيه «المحمّدان» (محمد بن سلمان ومحمد بن زايد) مع اندلاع الأزمة الخليجية في حزيران/ يونيو 2017، لم تقف دول الخليج، ومعها الدول الأفريقية التي كانت محسوبة على المحور السعودي، على قلب رجل واحد خلفهما في قرار معاقبة قطر وإخضاعها. ارتأت تلك الدول اتخاذ موقف متمايز من موقفَي الرياض وأبو ظبي لحسابات استراتيجية وتكتيكية متصلة بكل منها.
تمايزٌ وجدت فيه الدوحة فرصتها الأنسب لتعزيز أوراقها في مواجهة خصومها، فيما شكّل عامل إقلاق لكل من السعودية والإمارات اللتين انشغلتا بمراجعة علاقاتهما مع البلدان «المتمردة» على قرار المقاطعة، والبحث في سبل إعادتها إلى «بيت الطاعة». مثّلت دولة الكويت وسلطنة عمان والمملكة الأردنية التحدي الأقرب إلى قائدتَي الحملة على قطر، ومن بعدها جاء السودان والمغرب العربي والقرن الأفريقي كمناطق نفوذ يُفترض حفظها من الهجوم القطري المضاد بما هو نموذج من دينامية تركية - «إخوانية» متجددة تشكل سبباً رئيساً من أسباب انطلاق «الحرب» على الدوحة.
هذه المجابهة، التي لم يسلم العراق واليمن أيضاً من آثارها، يمكن تلمّس معالمها بوضوح في مجموعة وثائق مُسرّبة من السفارات الإماراتية في كلّ من مسقط والخرطوم والرباط وبغداد، تبدأ «الأخبار» نشرها تباعاً منذ اليوم. تُظهِر الوثائق الاهتمام البالغ لدى سفراء ولي عهد أبو ظبي، الذي يُنظر إليه كمهندس لخطة المقاطعة منذ بداياتها، بكل تفاصيل الحراك الدائر ما بين قطر والدول المذكورة آنفاً. وهو اهتمام، إن دلّ على شيء، فإنما على زيف الادعاءات المتكررة بضآلة حجم «قضية قطر» أو كما يحلو لوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، وصفها بأنها «صغيرة جداً جداً»؛ ذلك أن الرياض وأبو ظبي تدركان - بمعزل عما تقولانه علناً - أن لـ«حربهما» أهدافاً أبعد من «إمارة الغاز»، ولذا فلا يمكن إلا أن تكون لها تداعياتها داخل منطقة الخليج وخارجها. تداعيات تبيّن الوثائق عكوف الإماراتيين على محاولة فهمها، والبناء عليه في تقدير ما يمكن عمله إزاءها.
في ما يتصل بسلطنة عمان، والتي تستهلّ «الأخبار» عملية النشر بالوثائق المسرّبة من السفارة الإماراتية فيها، يمكن تلخيص التقدير الإماراتي لموقفها وكيفية معالجته بنقطتين: أولاهما أن مسقط تصطفّ عملياً إلى جانب الدوحة في الأزمة المحتدمة بين الأخيرة وبين الرياض وأبو ظبي، وإن كانت تحرص في العلن على البقاء في منطقة الحياد. وثانيتهما أن هذا الاصطفاف، الذي لا يروق السعودية والإمارات، يُفترض بقائدتَي المقاطعة ثني مسقط عنه بـ«الترغيب أو الترهيب» كما ورد حرفياً في إحدى الوثائق الممهورة بتوقيع السفير محمد سلطان السويدي. وفي استخدام السويدي مصطلح «الترهيب» إشارة إلى خيارات متعددة، تبدأ من الابتزاز الاقتصادي مثلما حصل للأردن أخيراً، وتمرّ بالتحريض الديبلوماسي الذي شرع فيه بالفعل (كما تفيد به بعض المعلومات) السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة بدعوى دعم عُمان لـ«الحوثيين»، ولا تنتهي باستهداف السلطنة في أمنها سواءً بالفعل التجسسي الذي كُشف بعض من فصوله عام 2011، أو بإقلاق الحدود مثلما يحدث اليوم في محافظة المهرة الواقعة أقصى شرق اليمن على الحدود مع محافظة ظفار العمانية.
المصدر :
https://www.sada-alkhaleej.com/news/2724
https://telegram.me/buratha