حين أعود بالذاكرة, ألى السنوات الثمان المنصرمة, وأسترجع تلك ألايام, لا أجد في ذاكرتي أي أنجاز يذكر سوى صور الموت, لدرجة أني أتمنى أن تُمحى كل تلك السنوات دفعة واحدة, لكن النسيان يأخذ وقتاً طويلاً, بل أن تلك ألايام تركت أثراً في نفس كل عراقي يشعر حقاً بأنتمائه الى هذا البلد, والحديث هذا لا ينطبق على كل من ينتمي لحاشية الحاكم, فهؤلاء المتهافتين على القصاع, ليس لهم أنتماء سوى للمصالح, متى ما رحل ولي نعمتهم, ألتفوا حول غيره.
تزدحم الذاكرة بصور مؤلمة, عن العراق بأكمله, أرامل تتسول في التقاطعات, أطفال يحملون بأيديهم علب صغيرة, يتجولون بين السيارات, طلباً للرزق, تركوا المدارس وحملوا أعباء تثقل أكتافهم, أصوات الانفجارات التي أصبحت أبرز يوميات العراقيين, قوافل الشهداء اليومية, ومناظر الدم حين يصبغ شوارع بغداد, المتقاعدين الذين يقلبون الصحف بحثاً عن بارقة أمل بزيادة مرتب, أو ربما سُلفة يمكن أن تؤمن له ثمن العلاج, أو مصاريف دراسة الأبناء.
طوابير الشباب من الخريجين, تقف على أبواب الوزارات, والدوائر يبحثون عن فرص عمل معلن عنها, في موقع ما, أو عن طريق الصحيفة, ليجدوا في نهاية اليوم, أن ألاعلان مجرد مسرحية, تم ألاتفاق عليها مسبقاً, فيكون الشباب مجرد غطاء لأقارب المسؤولين, ممن خصصت الدرجات الوظيفية لهم مسبقاً, لذا يجد الخريجين أنفسهم مضطرين, أما للعمل في تنظيف الشوارع, أو البيع في الشوارع, لتتبخر كل أحلام ما قبل التخرج.
قد يفكر بعض الشباب ألانخراط في المجال العسكري, بعد أن أغلقت جميع ألابواب, أمام الطاقات الشابة, فالعسكرية ميدان واسع لأستثمار الطاقات والعقول, ليجد الشباب أن هذا الباب موصدٌ أيضاً, فلا يمكن أن تدخل هذا المجال, ألا بعد أن تدفع مبلغاً من المال يتجاوز 10 أوراق على أقل تقدير حسب التسعيرات, في بلدٍ أصبح حتى الهواء فيه مسعراً بسعر معين, بسبب مافيات الفساد, التي أصبحت أشبه بمرضٍ ينخر جسد البلاد.
ننتقل بالذاكرة ألى صورة أكثر ألماً, أطفال أستشهد ذويهم, ومن كان مسؤول عن أعالتهم, بسبب العمليات ألارهابية, ليجدوا انفسهم بين ليلة وضحاها يبحثون عن رغيف العيش, فلا يكفي أن الارهاب حرمهم من ألاب أو ألاخ , أو الأم التي كانت مسؤولة, عن أعالة العائلة بعد أن ترملت مبكراً, ليجدوا أنفسهم أنتقلوا بعد اليتم الى التشرد والحرمان, فراحوا يفترشون, الأرصفة يطلبون العطف وألاحسان, فقد يتمهم ألارهاب وشردهم ألاهمال الحكومي.
الكهرباء بطبيعة الحال, لن تصبح ذكرى نأمل ان تكون كذلك في الحكومة الجديدة, بل هي في الحقيقة كابوس يطارد العراقيين, تصريحات ووعود, تملأ وسائل ألاعلام في الشتاء, تدور معظمها حول تصدير الكهرباء الى الخارج, لتتبخر جميعاً مع حلول الصيف اللاهب, بالتزامن مع شهر رمضان, الذي يحل منذ عدة سنوات موسم الصيف, فيصوم الشعب العراقي, تحت حرارة الصيف, وعدم توفر الكهرباء. بعد معاناة الكهرباء, يحل الشتاء, وطوال العام نسمع عن مشاريع وأستعدادات, تغرق مع أول زخة مطر, بينما يجلس ساسة الخضراء, يتفرجون عبر الشاشات على أنهيار السقوف الطينية, فوق رؤوس ساكنيها.
وسط كل تلك الصور المؤلمة, تبقى صور سقوط محافظة الموصل, عن طريق خيانة قادة من ورق, هي ألاكثر ألماً, وما تبعها من صور المهجرين والنازحين, والشهداء, والمزادات التي أقيمت لبيع العراقيات, تلك الصور لم تصبح ذكريات بعد, بل هي يوميات تسبب بها ساسة الفشل, من الحمقى والمتسلطين.
تلك أبرز يوميات الشعب العراقي, طوال ثمان سنوات, أضيفت ألى ما قبلها من سنوات الحكم الدكتاتوري قبل عام 2003, لتبقى تلك الذكريات المريرة, والسنوات الأكثر مرارة, فجوة في ذاكرة التاريخ العراقي, نأمل أن تُمحى, بعد تشكيل الحكومة الجديدة, عسى أن ينتفع أعضاؤها من أخطاء من سبقهم, فالمقابر قد أمتلأت من الشهداء, ولون الحداد هو ألابرز, في يوميات العراقيين, فالعراق بحاجة لسنوات خالية, من تسلط الطغاة.
https://telegram.me/buratha