المقالات

‏ الأعراق.. تعرقل أم تثري التجربة؟


محمد الحسن

‏     عند إستخدام الآلة الحاسبة للمقارنة بين إحداثيات التاريخ الأمريكي ومثيلاتها العراقية, ربما نقف على ‏مسافات زمنية متقاربة بين الإستقلال الذي نالته الولات المتحدة سنة (1776) والأزمات التي كادت تودي ‏بمستقبل تلك الولايات؛ وبين إستقلال العراق الحديث ومحطات مهمة, ما زالت الدولة تعيش فيها, ويكثر بها ‏حديث التقسيم. أمريكا قُسّمت فعلياً, ومرّت بحرب أهلية إستمرت من (1861-1865) عندما إنفصلت أقل ‏من نصف ولاياتها.. إنتهت الحرب الأهلية بوحدة أمريكا, وأصبح الشعور القومي جزءاً من أمنها ومرتكزاً ‏سياسياً مثّل قاعدة للصعود الأمريكي المطّرد. ‏

إنّ الشعور القومي لشعوب الولايات المتّحدة, لو نظرنا له بعدسات عربية شرق أوسطية, يبدو مثيراً للشفقة ‏ومجلباً للعار؛ فكيف لشعب جُل أصوله من المهاجرين أن يرتبط بتلك المشاعر ويؤسس ثقافة يفخر بها؟! ‏

قصائد الإعتزاز بوحدة النسب وأصالته, لا يمكن الإستنارة بهديها للوصول إلى بر أمان مناسب. فالأعراق ‏الأمريكية التي تخّتزل ما أنتجته السماء والأرض من ألوان وأديان وأفكار, تشير إلى نجاح تعايش تلك ‏المجموعات المختلفة في بناء دولة عظمى. إرادة التعايش, إنبثقت من عمق الأزمة التي عاشتها أمريكا, ‏عندما كانت مستعمرة بريطانية ثمّ تقاتلت معها, ومن ذلك التحدي شعَّ الأحساس بالأرض ليتحوّل إلى ثقافة ‏راكمتها الإكتشافات التي تنتجها المشاكل.. العراق, الذي يعاني مشاكل ترتبط بهوية الشعب, لم تحسم ‏تركيبته بعد هل ثمة روابط بينها أم أنّها سائبة؟!.‏

ولعل تواجد المكونات العراقية, تاريخياً وجغرافياً, يعود إلى ما قبل التاريخ, مع وفود مجموعات جديدة على ‏مر العصور. وقد تعايشت وأمتزجت الثقافات المتنوعة, فيما بينها على مدى عشرات القرون, ورغم ‏الإختلافات الثانوية, تُشكّل تلك المجموعات بمجملها الثقافة العراقية. مع بزوغ الدولة الحديثة, عملت ‏الحكومات والدساتير غير المستقرة في العراق, على توسيع الفجوة بين الشعب العراقي عن قصد أو جهل. ‏

التغيير الكبير سنة (2003) قاد إلى نظام جديد قائم على دستور مدني دائم يتساوى به الشعب.. فالمشكلة لا ‏تكمن في ما هو مكتوب؛ إنما في إستجرار الجدليلة المتخلّفة والتي يلخّصها السؤال: "هل تستطيع المكونات ‏العراقية أن تتعايش وتشكّل شعباً واحداً؟..‏

ورغم الخطأ الجوهري في تلك الجدلية -فإمكانية تحوّل المجاميع إلى شعب متحققة- إلا أنها تحوّلت في ‏بعض المراحل إلى ورقة إبتزاز سياسي وإستخدمتها بعض القوى كشعار إنتخابي. الأمر الذي أدى لطُرح ‏بشكل حل التقسيم.  إنّ فهم الواقع بعقلانية, يكشف لنا جزء من مستقبل مرعب ؛ فما لم يستقر موحداً لن ‏يستقر مقسماً. بعبارة أخرى: أي تقسيم يحصل على أسس طائفية وقومية نتيجة الصراعات, لن يؤدي سوى ‏إلى مزيد من العداوات والحروب بين الدويلات الجديدة. ‏

‏ التحليل التاريخي لتجارب الشعوب الأخرى (المثال الأمريكي), يُظهر إفتقارها لجذور مشتركة, عكس ‏‏(شعوب) العراق التي ليس لها بديل سوى هذه الجغرافية.. وكما كشفت التجربة الأمريكية عن مزايا ‏وحسنات التعددية, فالتعددية العراقية ليست إستثناءاً, وهي عاكسة لثراءه بنوادر الأديان والأعراق, وذلك ‏يحتّم تغيير طريقة التفكير المتشنّج, والإنفتاح على الذات, كأساس لابدّ منه للإستثمار المربح. ‏

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك