علي فضل الله الزبيدي
تزاحمت ويلات الحروب، على العراق والعراقيين، وكلما إندمل جرح، أبتلينا بأخر أو أكثر، حتى صارت جراحات وطني وأهله، لا تعد ولا تحصى، لكثرة النوائب والمصائب التي حلت بنا، فجسد العراق ينزف دما"، حتى غدت دمائنا، أنهار صبابة لا تنقطع، روت أرض البلاد، من شماله لجنوبه، ومن شرقه لغربه، فلم يعد شبرا" من أرض الوطن، إلا وإرتوى من تلك الدماء الزكية، وطن توشح بالسواد، وصار رفيق الحزن، لقد ذبح يوسف العراق بيد إخوته، ولم يرتضوا هذه المرة، بقرارة الجب، بل مزقوا أشلائه.
لذا فحرب داعش الأخيرة، وإحتلال تلك المجاميع الإرهابية التكفيرية، لقرابة خمسة محافظات عراقية، تسببت بموجة نزوح كبيرة، خلفت ملايين النازحيين، هنالك برزت على السطح، مشكلة النازحين وكيفية إيوائهم، وقد كلفت تلك القضية الدولة كثيرا"، أي نزوح العوائل من المناطق الساخنة، وأرهقت ميزانية الدولة، تلك الميزانية المتهارية بعجز كبير أصلا"، جراء تراجع واردات العراق النفطية، لتراجع أسعار النفط، وتأثيرها سلبا" على مدخولات البلاد، هنا أصبح البلد، أمام معضلة مزدوجة، تضم في ثناياها مشاكل عدة.
ونحن على أعتاب مرحلة جديدة، مرحلة تحول العراق فيها، من الهزيمة إلى الإنتصار، ومن الإحتلال إلى التحرر، مرحلة ليست ككل المراحل، إستنهض العراق همم أبناءه الغيارى، الذين لبوا نداء المرجعية الدينية، من خلال فتوى الجهاد الكفائي، التي قلبت كل الموازين، وحولت العراق من بلد منهزم، تطادر أبناءه فلول داعش، تلك العصبة القاتلة، التي عاثت في الأرض فسادا، لم يسلم من بطشها، حتى الذين مهدوا لهم الطريق، ليصبح العراق بعد تلك الفتوى، إلى شامخ منتصر، يطارد جرذان داعش، من جحر إلى جحر، حتى يصار لتطيهر البلد من دنسهم.
لم يكن الإنتصار صدفة، ولم يكن هبة من دول الجوار، التي كان أغلبها داعما" للإرهاب، وحتى قرارات الأمم المتحدة، ذات البعد الإلتوائي، ما كانت سببا" في هذا التحول الإيجابي، بل كان السبب في ذلك كله، الدماء الزاكية التي سالت من أجل الوطن وشعبه، فأصحابها ضحوا بأعز ما يمكن، وجادوا بنفوسهم الطاهرة، لكي يبقى العراق واحدا" متحدا"، لقد بذلوا مهجهم دون العراق وأهله، حتى لا يصار إلى تمزيق الوطن وتقسيمه، فكانت أجساد الشهداء، هي التي تمزقت أشلاء، دون وحدة الوطن، ولولاهم ولولا المرجعية، ما كان هنالك عراق يذكر.
من الطبيعي بعد عودة الحياة للوطن، وقد بدأ يتعافى من جراحاته، وإن كانت جراحاته ليست بالقليلة، ولكننا لا بد أن نعض عليها، ونعمل على إصلاح ما فسد، وفي كافة المستويات والأصعدة، خصوصا" وتحرير نينوى بات قريبا"، فلا بد لعجلة الحياة أن تدور وتستمر، فقد أشرقت شمس الإنتصار، ولكن الغريب في هذه المرحلة، أن نرى إهتمام الدولة، وكذلك المجتمع الدولي، بملف النازحين، وليس من إعتراض على ذلك، حيث حملة إعلامية ضاغطة، بإتجاه تعويض النازحين وإعادتهم لمناطقهم، بل مؤتمرات دولية كبيرة، تعقد من أجل ذلك، كان أخرها في واشنطن، لجمع الأموال لهذا الغرض.
لكن الغريب أن نرى، صمتا" إعلاميا" حكوميا" ودوليا"، أمام مأساة عوائل الشهداء وضحايا الإرهاب، حيث حصد الموت أرواح أبنائهم، بعد أن دافعوا عن العالم بأسره، كون العراق يحارب، نيابة عن كل المجتمع الدولي، ولكننا لم نجد مؤتمرات، من قبيل تلك التي عقدت، من أجل النازحين، إن حكومة العراق ملزمة، بأن تحفظ حقوق ثكالى وأيتام شهداء العراق، وأن تكون مقدمة على كل الحقوق، فلولا تلك الدماء الطاهرة، ما فكرنا بعودة النازحين، بل لم تكن هنالك حكومة تذكر، وذلك واجب وليس تفضل من احد عليهم، لأن الشهداء هم المتفضلون علينا.
https://telegram.me/buratha