عباس الكتبي
مملكة سبأ من ممالك اليمن القديمة، جاء ذكرها في الكتب المقدسة، ككتاب العهد القديم والجديد، والقرآن.
هذه المملكة كان ملك يحكمها،وبعد موته اجتمع الوزراء والقواد ليتوّجوا أبنته ملكة عليهم،وتسمى بلقيس.
توصف هذه الملكة بالحسن والجمال، وبالحكمة والعقل،و"أوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم"،وقومها" أولوا قوة وأولوا بأسٍ شديدٍ"،وهم مطيعون لها.
كانت هي وقومها،يعبدون الشمس ويتخذونها إلهاً من دون الله، والطبع الغالب على مجتمعات الكفر،تتحكم به السادة والأشراف،والحكم الطبقي عادة ما ينتشر فيه البؤس والحرمان، وتتفشى فيه الرذيلة،والفسق، والفجور،والآثام،والظلم،والاجرام، ودل عليه قول الهدهد:(فصدهم الشيطان عن السبيل).
الهدهد،كان جندياً من جنود النبّي سليمان عليه السلام،الذي أتاه الله عز وجل ملكاً عظيماً،وسخر له كل شيء، وكان اذا جلس في مجلسه في بلاد الشام-قيل في فلسطين-يجتمع عنده الأنس،والجن،والملك،والحيوان،فتفقد الطير،"فقال مالي لا أرى الهدهد"، ووعد بعقوبته لتركه وظيفته وغيابه عن المجلس،فجنود سليمان لا يغيبون بدون اذن،وهم ليسوا فضائيين!! لم تمض سوى برهة من الزمن وجاءه الهدهد بنبأ يقين،والقصة مذكورة تفاصيلها في سورة النمل.
كتب النبّي سليمان عليه السلام، كتاباً الى ملكة سبأ بلقيس،يحمل خطابه القوة والتهديد،والثقة بالأنتصار، يدعوهم فيه الى الايمان بالله، وبما ان بلقيس أمراة عاقلة حكيمة، فهمت ان هذا الخطاب لا يقوله الا ملك أقوى منها،وانها امام خيارين،اما العناد والبقاء على دينها، وخوض حرب خاسرة،واما الانقياد والأستسلام للنبي سليمان والدخول في دينه،لكي تسلم وتأمن هي وقومها.
أستشارة بلقيس وزرائها وكبار قومها، فأرجعوا الامر إليها،فقامت بخطوة سياسية تعبّر عن حنكتها، لتختبر بها الملك سليمان،وتقف على حقيقة أمره،فبعثت إليه بهدية أو مالاً، لكسبه والتودد له ومجاملتة،لدفع الضرر عن مملكتها، والبقاء على دينهم،فهذه الخطوة أفضل من الذهاب الى الحرب،إلا ان الملك سليمان،كان نبّي وهدفه هداية الناس وليس المال.
(فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ،ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُون)َ.
لم يبق أمام بلقيس بعد هذه الخطوة سوى التفاوض مع النبّي سليمان، لحفظ قومها والمملكة من الذل والانهيار،فأنتهت المفاوضات بالاستسلام والطاعة،والايمان بالله، فقالت:(رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين)،ولولا حكمت بلقيس،وكمال عقلها،للاقت سبأ الذل والهوان.
عندما تطرح مبادرة الصلح والسلم،من الطرف القوي،يجب على الطرف الضعيف أغتنامها،وأستثمارها إذا كانت راجحة وفيها مصلحة لكلا الطرفين،حينما شعر معاوية بن أبي سفيان، بأنه قوي،وقادر ان ينتصر على الامام الحسن عليه السلام، بادر الى طرح الصلح،وكله اطمئنان بأن الامام الحسن"ع" سيرفضها،مما يعطيه الذريعة امام الناس، بالقضاء عليه وعلى بني هاشم،وشيعته.
لكن الامام عليه السلام،قبل الصلح وحقق نصر سياسي كبير على معاوية، مما أضطر هذا الأخير الى التنصل منها لاحقاً،وعندما عوتب الامام من قبل اصحابه على الصلح،قال:ويحكم ان الذي فعلته خير لكم مما طلعت عليه الشمس.
كلّف التحالف الوطني،يان كوبيتش، ممثل الامين العام للامم المتحدة، ان يعرض مبادرة التسوية على بقية المكونات،وخاصة المكون السنّي، ونتمنى من هذه المكونات النظر إليها بعين الحكمة والعقل،وتفعيلها خدمة للعراقيين جميعاً،وان يبتعدوا عن العناد والاصرار على المطالب العالية التي من شأنها تعرقل عملية التسوية.
نحن نأمل ان يكون"يان كوبيتش" رسولاً، وذو فأل حسن على العراقيين،كهدهد سليمان الذي كان سبباً في هداية مملكة سبأ.
https://telegram.me/buratha