تناولنا في الحلقة الأولى من موضوع (دور الشباب في أصلاح العملية السياسية) واقع الطبقة السياسية الحاكمة؛ لمن يريد الاطلاع يمكنه على الرابط: https://mohammedallawi.com/2018/02/24/3220/
وفي هذا المقال نتناول الحلقة الثانية وهي أن العراق كان الدولة الأولى في الشرق الأوسط وانه سيرجع كما كان، وإن البدائل عن الجهلة والفاسدين من الطبقة السياسية الحاكمة هم من الشباب ومن غيرهم من المخلصين لبلدهم ومن الأكفاء، وأحب أن أؤكد على حقيقة انه ليس المطلوب ازاحة كل الطبقة الحاكمة، بل الفاسدين والجهلة منهم، كما انه ليس المطلوب أن يتولى الشباب حكم البلد بالكامل؛ ولكن الشباب يمكن أن يكونوا هم المبادرين في اتخاذ الخطوات الفعلية واللازمة للتغيير، فالشباب أكثر حيوية وأكثر اندفاعاً وأغلب المبادرات الاجتماعية هي من الشباب.
إن العراق كان ولا زال يزخر بالكثير من الطاقات، ولا ارغب في أن أكون منحازاً إلى عراقيتي، ولكن أظهر تقييم لدرجة الذكاء في العالم في موقع "targetmap"
ونشر في اغلب وسائل الأعلام العالمية عام 2013 من قبل الباحثين البريطاني "ريتشارد لين" والفنلندي "تاتو فانهانين" الى أن الشعب العراقي مع تدهور مستوى التعليم عام 2013 هو أذكى شعب عربي، وكان تصنيف ذكاء العراقيين عالمياً يأتي بالدرجة (20)؛ ولو اجري هذا التقييم في أواسط ثمانينات القرن الماضي، حيث كان التعليم على جميع مراحله في أوجه، لكان الشعب العراقي ضمن أذكى ثلاث شعوب في العالم، لان مقياس ومؤشر الذكاء (IQ) في متوسط العمر يتأثر بالمستوى الدراسي والعلمي للشخص.
والسبب لهذه الدرجة العالية من الذكاء هو تاريخ البلد منذ القدم، فالعراق مهد الحضارات، بل مهد تلاقح الحضارات، قامت فيه مجتمعات متحضرة في علاقاتها الاجتماعية، حيث قامت فيه الحضارة السومرية أول حضارة على وجه الأرض، ثم تلاهم الحضارات الاكدية والبابلية والآشورية والكلدانية؛ أول ما اخترعت الكتابة في بلاد وادي الرافدين في الألفية السادسة قبل الميلاد باستخدام الخط المسماري؛ لقد كان فن تشريع القوانين متطوراً في العراق وأوضح دليل مسلة حمورابي التي دون فيها أهم وأوسع شريعة متكاملة في ذلك الوقت. ثم جاء الاسلام فاستقطب العراق خلال العصر الأول للإسلام اغلب العلماء من كافة بلدان العالم الإسلامي، لقد ترجمت الكثير من الكتب الى العربية من كافة أنحاء العالم في ذلك الوقت في دار الحكمة في بغداد ، ومنها على سبيل المثال كتب الفلاسفة الإغريق حيث غدت بغداد مركزاً لكافة العلوم التي انتشرت في كافة أنحاء العالم الإسلامي، فالخوارزمي مؤسس علم الجبر في بغداد، وجابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء التجريبي في الكوفة، والكندي في بغداد والفارابي بين بغداد والشام وابن الهيثم في البصرة الذين أبدعوا في الكثير من العلوم كالطب والصيدلة والفلسفة والفلك والجغرافيا والرياضيات والبصريات، لقد انتقلت الفلسفة الإغريقية التي اندثرت في نفس بلاد الإغريق في عصر الكنيسة (عصر الظلمات في أوربا) وكذلك علوم الجبر والكيمياء والطب والصيدلة والفلك والجغرافيا والبصريات والرياضيات بما فيها الصفر والأرقام العربية من بغداد عن طريق الجامعات العربية والإسلامية في الأندلس وصقلية ثم الى أوربا قبل حوالي الثمانمائة عام.
(يمكن مراجعة الرابط التالي للتعرف أكثر على ماضي حضارات وادي الرافدين: https://mohammedallawi.com/2018/03/04/ )
نعم تراجع العراق منذ الغزو المغولي قبل حوالي سبعة قرون واستمر هذا الوضع خلال فترة الحكم العثماني المتخلف، ولكن نهض العراق نهضة متميزة بجهود أبنائه بعد الحرب العالمية الأولى، لقد كان العراق درة المشرق العربي بعد الحرب العالمية الأولى وحتى ثمانينات القرن السابق، وكانت السعودية وجميع دول الخليج متأخرة عن العراق بمراحل كبيرة، لقد كان النظام التعليمي في سبعينات وثمانينات القرن السابق كنظام حكومي مجاني هو الأول في دول المنطقة حسب تقييم منظمة اليونسكو، وأعطي العراق في نهاية السبعينات خمسة جوائز من اليونسكو لمنهجه المتطور في القضاء على الأمية حيث بلغ معدل الالتحاق الإجمالي بالدراسة حوالي 100٪، والنظام الصحي في تلك الفترة كان متميزاً أيضا، حيث كان النظام الصحي في العراق هو الأول في الشرق الأوسط ويتقدم على النظام الصحي لتركيا وإيران بمراحل، ثم جاءت تسعينات القرن الماضي حيث تعرض العراق الى حصار ظالم بسبب السياسات المتهورة لصدام حسين وتقهقر البلد على أثر ذلك بشكل كبير.
ولكن مع ذلك لعب العراقيون دوراً علمياً وحضارياً مهماً داخل وخارج العراق وتركوا اثراً متميزاً في العراق وخارجه، للأسف استخدم صدام تلك القدرات داخل العراق لبناء ترسانته العسكرية من منظومات الصواريخ والبرنامج النووي والأسلحة الكيمياوية والبيولوجية والمدفع العملاق من اجل سياساته الهوجاء التي أوصلتنا الى هذا الحال.
كما توجد طاقات عراقية على درجة عالية من الكفائة من غير المجال العسكري، فقد تبنت مؤسسة ماركيز (Marquis) العالمية شخصيتين عراقيتين من داخل العراق ضمن إصدارهم السنوي لعام 2016(Who’s Who) وهما العالم الدكتور حسام علي رئيس قسم هندسة النفط والعالم الدكتور حسين طوكان رئيس قسم هندسة الطب الحياتي وكلاهما من جامعة ذي قار وكلاهما نشرا الكثير من البحوث العلمية المتقدمة، الأول في مجال تكرير النفط والصناعات النفطية والثاني في أبحاث تكنولوجيا الناتو كما إن البروفسور الدكتور داخل حسن جريو رئيس الأكاديمية العراقية لديه أبحاث متميزة في مجال هندسة النظم والكومبيوتر .
كما أن العالم جليل الخفاجى الأستاذ في جامعة بابل له أبحاث كيميائية وكيميائية طبية على مستوى واسع في عدة مجالات منها في الوقاية من السرطان وأجرى أبحاثا ناجحة في جامعة كاليفورنيا بهذا الشأن، كما يطلب منه دائماً ألقاء محاضرات على مستوى عالمي في كاليابان والصين فضلاً عن أميركا وأوربا، وله أبحاث في أيجاد مصادر الطاقة من الماء وصناعات الحديد والصلب، وحاولت الكثير من الشركات الأمريكية إبقاؤه في أميركا ولكنه رفض ذلك؛ ومع تميزه ولكنه عاجز مالياً عن طبع موسوعته الفريدة من نوعها بشأن (الغازات) حيث له نظريته الخاصة بهذا الشأن والتي يمكن أن تكون مرجعاً عالمياً في علوم الغازات مع العلم أن كلفة طباعتها لا تتجاوز الأربعين ألف دولار، السبب في ذلك أن اغلب الحكام هم من الجهلة ولا يفقهون قيمة انجازاته العلمية.
أما خارج العراق فأن الكوادر العراقية المنتشرة في العالم لها انجازات عظيمة فنسبة عدد المثقفين وحاملي الشهادات العليا في بريطانيا على سبيل المثال من الأصول العراقية أكثر من ضعف أمثالهم من الجاليات الأخرى كالجاليات الهندية والباكستانية على سبيل المثال مع العلم أن هجرتهم كانت قبل هجرة العراقيين وان وضعهم أكثر استقراراً من وضع العراقيين. إن عدد الأطباء العراقيين على سبيل المثال في الساحة البريطانية أكثر من أربعة آلاف طبيب، الكثير منهم على درجة عالية من التميز والعلم والإبداع.
فهناك عشرات النماذج الكفوءة وبدرجة عالية جداً خارج البلد، للأسف تبين أن أغلب من رجع إلى البلد من العراقيين هم من العاطلين عن العمل وللأسف الكثير منهم من الفاسدين، وبقي الكثير من الكفوئين خارج العراق وقرروا عدم الرجوع للبلد بعد اكتشافهم للدرجة العالية من الفساد المستشري في البلد وعمليات الاغتيال المبرمج للكفاءات في ذلك الوقت، ولهذا أخذت فكرة سيئة عن مزدوجي الجنسية ممن رجع الى العراق، حيث كان أكثرهم من الجهلة ومن الفاسدين، أما الجيدين منهم فلا يرغب الغرب بالتخلي عنهم ولا يرغب برجوعهم الى بلدهم، حيث أخبرني الدكتور إبراهيم الجعفري عندما كان رئيساً للوزراء أن رئيس الوزراء البريطاني السابق (توني بلير) طلب منه أن لا يسعى لإرجاع الأطباء العراقيين في انكلترا الى العراق لان بريطانيا كانت بحاجة ماسة إليهم.
وهناك شخصيات علمية خارج العراق لعبت دوراً رائداً في المجال العلمي كالدكتور محمد الحسني الرائد في مجال الذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) حيث قامت وكالة الفضاء الأمريكية (NASA) بتبني برنامجه المتطور لإصلاح العطلات في ال(Space Shuttle) المركبة الفضائية (Colombia) في ثمانينات القرن الماضي، والدكتور عبد المجيد سلماسي الطبيب الذي يصنف ضمن الفريق الأول في بريطانيا في أبحاث الأجهزة الطبية لفحص القلب (Doppler Ultrasound)، لديه أربعة كتب في أمراض القلب تدرس في أغلب الجامعات البريطانية، والبروفسور الدكتور حامد الرويشدي الأستاذ في جامعة برونيل (Brunel) البريطانية في مجال الاتصالات الذي تخرج على يديه مئات الطلاب من كافة أنحاء العالم في أقسام الدراسات العليا في جامعة برونيل، والطبيب العراقي في استراليا الدكتور منجد المدرس والذي لديه انجاز عالمي متميز تفتخر به استراليا حيث يتجه إليه المرضى المعاقين من مختلف أنحاء العالم لتركيب الإطراف الصناعية بحيث تكون فعالية الطرف الصناعي مقاربة جداً للطرف الطبيعي؛ والعالم كله يعرف المهندسة المعمارية العراقية الموهوبة المرحومة زهاء حديد حيث كانت تعتبر قبل وفاتها عام 2016 أنها المهندسة الأولى في العالم في هندسة العمارة ومشاريعها تغطي كافة أنحاء العالم، ومهندس النفط والاقتصادي فاروق القاسم الذي تبنت النروج أطروحته الاقتصادية ويعتبر باني الاقتصاد النرويجي المعاصر وبالذات استغلال موارد النفط بالطريقة المثلى وقلده ملك النروج وسام الفارس من الدرجة الأولى وهو أعلى وسام يمنح في النروج؛ ووزير الصحة في بريطانيا الدكتور آرا درزي العراقي الجنسية والمولد والارمني الجذور الذي حصل على لقب سير من ملكة بريطانيا عام 2002 لإنجازاته في الطب والجراحة ولقب لورد عام 2007 حيث وضع ارقى واهم تعديل جذري للنظام الصحي البريطاني؛ يمكن الاطلاع على العشرات من النماذج المماثلة من المتميزين العراقيين على الرابط : https://www.facebook.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%A1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A%D8%A9-794983790707829/
لقد ساهم العراقيون بدور فاعل في النهضة العمرانية والحضارية المتميزة في بلدان الخليج منذ ستينات القرن الماضي وحتى يومنا هذا؛ لقد اطلعت واطلع الكثير من القراء على أحد البرامج التلفزيونية العربية حيث اثبتوا فيه أن الشعب العراقي هو أكثر الشعوب العربية كرماً وجوداً وسخاءً؛ هؤلاء هم العراقيون الحقيقيون، لا استطيع أن أتخيل أن العراق الذي أنتج كل هذه النماذج الجبارة وإذا بنا نكتشف أن الكثير ممن تصدوا لموقع المسؤولية هم في قمة الجهل، بل الانكى من ذلك لا زال العراق في آخر السلم في مستوى الفساد، واخرج العراق عام 2017 من التصنيف العالمي لجودة التعليم على مستوى المدارس والجامعات حسب تقييم المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس؛
ونتساءل هل يمكن أن يأخذ العراق وضعه الطبيعي كما كان في خمسينات وستينات وسبعينات وجزأً من ثمانينات القرن الماضي؟
وأجيب: هذا ممكن وممكن جداً ولكنه لا يتحقق إلا بإزاحة الجهلة والفاسدين من الطبقة السياسية الحاكمة واستبدالهم بالكفوئين والمخلصين من أبناء بلدنا، وهذا ما سنتناوله في الحلقة القادمة أن شاء الله......
https://telegram.me/buratha