حميد الموسوي
مع انها سلة العراق من الحبوب والثمار والحبوب ؛مع انها ثغر العراق واطلالته وبوابته البحرية الوحيدة على العالم ؛مع انها منبع الثروة الوطنية من النفط والمعادن ؛مع انها بركان الثورات والانتفاضات بوجه المحتلين والطواغيت ؛ومع انها ام الشهداء الابرار..مع كل ذلك وغيره فقد كانت ضحية كل ظلم وطغيان وجور واستبداد جميع حكام العراق منذ تأسسيه .
وحتى لانذهب بعيدا فلنكتفي بحكومات العراق الحديث الذي تأسس بدخول القوات البريطانية عام 1917حيث دفعت محافظات الجنوب ثمنا باهضا كونها الوحيدة التي تصدت للاحتلال البريطاني وحالت دون وصوله الى بغداد من 1914 الى 1917 .اذ اهملتها الحكومة الملكية التي نصبها الانكليز باشراف المندوب السامي البريطاني فحرمت من التعليم ومن الخدمات الصحية والعمرانية والخدمية وابعدت عن ابسط الوظائف الحكومية المدنية والعسكرية ،وسلط على رقاب ابنائها نظام اقطاعي بغيظ استحوذ على مجمل الاراضي الزراعية واحال سكانها الى فلاحين رقيق لايملكون قوت يومهم ؛وعمد الى نشر التخلف والعادات البالية وبث الفرقة بين عشائرهم وشجع على التناحر والتباغظ والثأر. استمرت هذه الاحوال البائسة النكدة حتى عام 1958حيث استبشر العراقيون جميعا بانبثاق عهد جمهوري جديد يطلق الحريات وينصف المظلومين ويستثمر الثروات بشكل عادل .وللمرة الاولى شعرت محافظات الجنوب بشيئ من الانصاف وخاصة حين اعلنت حكومة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم قانون الاصلاح الزراعي الذي قضى بسحب يد الاقطاعيين عن الاراضي وتوزيعها بشكل منصف على الفلاحين ؛ وتم انشاء مدارس ابتدائية وثانوية .. واقيمت العديد من المصانع والمعامل والورش الانتاجية .. وتم قبول ابناء الجنوب في الكليات المدنية والعسكرية وفي جميع الوظائف اسوة باقرانهم من المحافظات الاخرى . الا ان هذه الحال لم تدم طويلا ؛فبعد اربع سنوات ونصف انقلب البعثيون على الحكم الجمهوري سنة 1963وقتلوا الزعيم الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم وجميع الضباط الاحرار واشاعوا الفوضى والخراب والدمار وسفكوا الدماء على الشبهة والتهمة والظن حتى انقلب عليهم عبد السلام عارف سنة 1964والذي قتل بعد سنتين من حكمه ليتسلم الحكومة اخوه عبد الرحمن عارف سنة 1966 والذي سلم الحكم للبعثيين سنة 1968 لتبدأ اسوة مرحلة في تاريخ العراق الحديث دفعت محافظات الجنوب الحصة الاكبر اهمالا وحرمانا من ابسط الحقوق؛ وتخلفا وخرابا وضحايا ؛ ضحايا حروب عبثية مستمرة..ضحايا مقابر جماعية ..ضحايا سجون وزنازين ومعتقلات ؛ ضحايا تهجير وتشريد وملاحقة مدة خمسة وثلاثين عاما .حتى اذا اسقط صنم التسلط الصدامي عام 2003 واعيد تصحيح المعادلة الظالمة عاد الامل كبيرا في نظر سكان الجنوب المحروم كون المحافظ ومجلس المحافظة والمجلس البلدي والموظفون هم من سكان المحافظة نفسها ؛اكثر من ذلك ان رئاسة الوزراء وعددا من الوزارات السيادية وغير السيادية تعود لهم .لكن حالهم صارت كحال اهل البيت عليهم السلام مع الامويين والعباسيين !.
خمسة عشر عاما من عمر التغيير مرت ..تعاقب على حكم محافظات الجنوب حزب الدعوة والتيار الصدري والمجلس الاعلى وحزب الفضيلة ..محافظون ومجالس محافظات ومجالس بلدية ..خمسة عشر عاما لم تعالج معاناة المحرومين الازلية المتمثلة بسوء الخدمات وشحة المياه وقلة المستشفيات والمدارس وسوء محطات تجهيز الكهرباء؛ وتفشي البطالة والعوز والفاقة . انشغل الحاكمون بترتيب اوضاعهم العائلية وتضخيم ثرواتهم ..انشغلوا بمصالح احزابهم الفئوية .. فسد اكثرهم ..خان معظمهم الامانة واساؤوا الاداء الوظيفي . لم يعتذروا ..لم يتراجعوا .. لم يصلحوا ما افسدوا ؛وكل لاحق يلقي اللوم على السابق .
وظلم ذوي القربى اشدُّ مضاضة
على المرئ من وقع الحسام المهند ِ
https://telegram.me/buratha