مجيد الكفائي
من يبتليه الزمن بمعاملة او مراجعة لأحدى دوائر الدولة، حتما سيصاب بالاكتئاب فما يتعرض له من ازمات "دائرية نسبة للدائرة الحكومية"، ستجعل نفسه في ادنى مستوى لها. وحتما سيرقد بعد ذلك في الفراش لفترة من الزمن، ليحزم امتعته بعدها ويغادر البلد دون رجعة.
فموظفو بعض الدوائر الحكومية لم يتغيروا مع التغير، ولم يتحرروا مع التحرير، ولم يتخلصوا لحد الان من الروتين، والتفنن في تعطيل معاملات المراجعين. ولا زال البعض منهم ينظر الى "المراجع" من علو "يفكر" و"يتأمل" في استحداث الجديد من العراقيل واكتشاف الحديث من "المعقدات" لما يضر ويعذب ويرهق المراجع. ولا زال بعض مدراء الدوائر يجلسون بغرفة مغلقة، في بابها حاجب لا يسمح بدخول المراجع، الا اذا كان من اصحاب السلطة او النفوذ..
مدير لا يدري ما يفعل موظفوه، ولا يتابع معهم معاملات مراجعي دائرته، ولا يتفقد سير العمل فيها، ولا يفتح بابه لمن لديه شكوى او تظلم من المراجعين الذين تعطلت او عطلت معاملاتهم.
مدير يظن ان الله لم يخلق غيره، وليس على الارض مدير سواه، وان البشر خلقت لتقدم له فروض الولاء والطاعة، وان المراجع مجرد عبد رقيق يجب عليه ان يلف ويدور حاملا اوراقه بين هذا المكتب وذاك، وهذه الغرفة وتلك، يصعد وينزل ويتعب ويهان ويذل كي يشعر "المدير وموظفوه" بالراحة والطمأنينة، وان الروتين لا زال بخير، وان التعقيدات بصحة وعافية، وان الموظفين يسيرون على خطى "الروتينيين" الاوائل فيشبعوا المراجع تعبا وانتظارا، واوراقه تواقيعا واختاما.
ومما يزيد المراجع اكتئابا، ان ابنية بعض الدوائر، هي الاخرى لم تتغير كحال مدرائها وموظفيها. ابنية عتيقة مقرفة تثير الاشمئزاز ابتداء من الباب، وحتى مكاتب الموظفين. والداخل لها، حتما سيصاب بالبرد والإنفلونزا، فالرطوبة تأكل الجدران والمكاتب تالفة، ولا توجد مقاعد لجلوس المراجعين، ولا احد يدري لماذا كل هذا "القرف".
لماذا لا تكون لدوائر الدولة بنايات جميلة ومنسقة و"محدقجة"؟ ومكاتبها وغرفها جميلة تسر الناظرين لا يدخلها البرد ولا الحر، وفيها قاعات انتظار مكيفة ومقاعد انيقة ومرتبة ومريحة، وفيها براد ماء على الاقل، وفيها موظفون يقابلون المراجع بابتسامة جميلة واستقبال حار، ومدير يفتح بابه للجميع يسمع من المراجع ما اهمه ويسهل له ما استصعبه، يروح ويجيء بين المراجعين، يسأل هذا ويستفسر من ذاك، فيضفي على دائرته وموظفيها الجد والاهتمام، وعلى نفسية مراجعيها شيئا من الراحة والاطمئنان.
ان بعض دوائر الدولة لا زالت تتعامل مع مراجعيها "بفضل مدرائها وموظفيها" بشيء من الاستخفاف، فتخصص شبابيك خارجية لمراجعة المواطنين، فيقف المراجعون امامها طوابير في حرارة الصيف وبرودة الشتاء، ولساعات عديدة حتى اذا وصل المراجع الى الشباك واعطى معاملته الى الموظف نظر اليه بوجه عابس متجهم، وبعيون يتطاير منها الشرار، ثم يقول له "مو هذا الشباك روح للثاني"، فينسحب المواطن المسكين ولا يعرف اي شباك يقف في طابوره مرة اخرى، لانه "ما شاء الله" هناك عدة شبابيك وعدة طوابير، والدائرة عبارة عن كرفانات وشبابيك. ويعاني المعوقون والمرضى المر، خلال مراجعاتهم تلك الدوائر، حيث لا مصاعد ولا مسارات مخصصة لهم، ولم يراع في تصميم الدوائر الحكومية ومرافق الدولة الاخرى احتياجاتهم الخاصة، التي تضمن لهم مراجعة بسهولة ويسر.
كل ذلك لا زال موجودا في بعض دوائر الدولة، بعد اكثر من عشر سنوات على التغيير، ولابد من تغييره كي يحس المواطن فعلا بالتغيير.
https://telegram.me/buratha