حاولنا –قدر المستطاع- البقاء بعيداً عن التحزبات والانحيازات. والعلاقات بـ"العبادي" و"الفياض" افضل من جيدة، دون ان يعني ذلك عدم وجود اختلافات، واحياناً اساسية.. ونتفق ان كل من يؤيد العملية السياسية، ويحترم الدستور والقانون مهما كان دينه او مذهبه او افكاره او قوميته او مواقفه او حزبه او تحالفه فهو صديق، من حيث المبدأ.. وان لا اعداء لنا سوى الارهاب والعنف والفقر والبطالة والجهل والمرض والاستبداد والظلم والفساد والتبعية والاحتلال.
1- إن تشكيل حكومة قوية تستطيع اداء واجباتها بنجاح لن يتم بترجيح كمي بسيط اي بمعادلة 50+1.. سيحتاج رئيس الحكومة الى زخم اقوى من ذلك بكثير لحل الاشكالات التي تواجهها البلاد. ومن يفكر بالنجاح عليه ان يفكر بحشد هذا الزخم لا بالتفريط به.
2- اما من ناحية التوازنات النوعية فان العبادي (شأنه شأن الفياض وغيره) نجح في ادارة الحرب ضد "داعش" لانه استطاع الجمع بين قوى متضادة داخلية واقليمية ودولية.. فكان الحاضنة المنسقة للقوات المسلحة والحشد الشعبي والبيشمركة والحشد العشائري وبقية القوى.. والحاضنة الموازنة لعلاقات متضادة بين دول الجوار.. والحاضنة المتكيفة مع الوضع الدولي بتناقضاته وخلافاته. وكنت اتمنى ان يبقى على هذه السياسة ويتمسك بها، ولا يخسرها في حساباته سواء حصل التجديد له ام لا. وسيحتاج، إن جُدد له، للنجاح في مهامه للانتصار في المعارك القادمة الى كل القوى التي تستطيع دعمه ونجاحه في مهام قد تكون اصعب بكثير من المهام الامنية التي واجهها في ولايته الاولى.
3- اذا كنا جادين فعلاً في الخلاص من الادارة الفردية، والاستخدام المتكرر للسلطة لازاحة المنافسين، واردنا تعميق منطق الشراكة الحقيقية والديمقراطية الحقة فلعل الاهم من الثقل الكمي والوزن النوعي هو الثقة والصدقية التي يجب ان يعكسها المسؤول مع الجمهور وشركائه من كافة الاطراف الوطنية والخارجية، والتزامه بالدستور والضوابط الحاكمة له وعليه. وان الحجة المتخذة لاعفاء "الفياض" مرتبكة من حيث الموضوع والسياقات والتوقيتات. فالسيد "الفياض" اعلن رسمياً عن تشكيل كيان سياسي في 25/11/2017 باسم "حركة عطاء" التي يرأسها رسمياً.. وسجل بهذه العناوين في المفوضية العيا للانتخابات في 26/12/2017 بالرقم 166. وهذا -في رأينا- خرق، ورسالة خاطئة.. بالمقابل فان السيد رئيس الوزراء قبِل السياقات طوال هذه المدة، واستمر "الفياض" بموقعه في المستشارية و"الحشد" والامن الوطني.
ورغم ان السيد "الفياض" لم يرشح للانتخابات، لكن الحركة التي يترأسها انتمت الى تحالف "النصر"، وخاض الحملة الانتخابية لصالح قائمة السيد رئيس الوزراء.. وأعلن قبل اسابيع قليلة في مقابلة تلفزيونية ان مرشح "النصر" هو السيد "العبادي".. وحضر اجتماعات وقام بنشاط سياسي في الصف الاول.. لهذا سيفسر قرار الاعفاء انه جاء نتيجة خلاف في اطارات وموضوعات سياسية وحزبية وتحالفية ومواقعية، ولا علاقة له بتطبيق الدستور وضوابط المهام الامنية، التي من اول شروطها، سريانها دائماً وعلى الجميع، وبضمنهم القائد العام ومستشار الامن الوطني.. فهذه رسالة خاطئة يعطيها الاخوة وفي مقدمتهم السيد "العبادي".
4- هذا موضوع حساس يتعلق بامن البلاد ومحاربة "داعش" وسلسلة امور داخلية وخارجية غاية في الاهمية، وكنا نتمنى التعامل معها بحكمة وواقعية ولباقة. وإلا سنزيد من فردية السلطة، بدل التخلص منها.. خصوصاً قبل ايام من انعقاد مجلس النواب. ويكشف الامر بمجمله عن حالة خطيرة اشرنا اليها مراراً، من ضعف العمل الدستوري والمؤسساتي وممارسة التعينات بـ"الوكالة"، الخ.. فنحن ندعو للالتزام بالدستور والمؤسساتية عندما توافق توجهاتنا، وننتهكها ونخالفها عندما تقف بالضد منها.. و"الوكالات" سالكة عندما تلبي غايات وتوجهات المسؤول، وهي معطلة عندما يحصل الخلاف. ونحن واقعيون ونتفهم الخروقات، بل نمارسها، عندما تخدم مصالحنا، ونتحجج بالمبادىء عندما نريد عمل العكس.. وهذه حالة ان لم يكن المسؤولون المتصدون قدوة للاخرين للتخلص منها –وإن كلفتهم مناصبهم- فمن سيفعل ذلك؟
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha