عادل الجبوري
في مثل هذه الايام من العام الماضي، كان العراق على موعد مع حدث كبير، ونقطة تحول تأريخية، وانعطافة مهمة، تمثلت بأستكمال تحقيق النصر الشامل على تنظيم داعش الارهابي بعد ثلاثة اعوام ونصف العام من اجتياحه مساحات غير قليلة من الجغرافية العراقية، بدعم واسناد من قوى اقليمية ودولية، كانت تخطط لامور خطيرة للعراق ولدول المنطقة على وجه العموم. ومثلما لم يقتصر خطر العدوان الداعشي على العراق فحسب، فأن تحقيق النصر الشامل عليه، انعكس على واقع المنطقة، وربما العالم اجمع.
ولاشك ان الحاق الهزيمة العسكرية بتنظيم داعش، كان امرا في غاية الاهمية، لانه من جانب حافظ على وجود الدولة العراقية، في ذات الوقت الذي اثبت، ان العراقيين-بعناوينهم وتوجهاتهم وانتماءاتهم المختلفة-قادرين على الدفاع عن بلدهم. ومن جانب اخر، احبط المخططات والاجندات الرامية الى دفع العراق نحو الهاوية، واغراقه في دوامة الصراعات الدموية الداخلية، وهي بصورة او بأخرى ذات المخططات والاجندات التي اطلت برأسها في عام 2006، بعد استهداف مرقد الامامين العسكريين في مدينة سامراء المقدسة من قبل تنظيم القاعدة الارهابي. ويمكن ان نحيط بطريقة تفكير اصحاب المخططات والاجندات الخارجية، من خلال تأكيدات ساسة وقادة عسكريين اميركان بعد العدوان الداعشي على العراق في صيف عام 2014، بأن القضاء على داعش يحتاج ثلاثين عاما!، في ظل عمل متواصل لجعل هذا الافتراض امرا واقعا لامناص منه. وبعد حوالي اربعة شهور من العدوان الداعشي على العراق، ظهر وزير الدفاع الاميركي الاسبق ليون بانيتا ليقول "ان القتال ضد جماعة داعش الارهابية سيكون صعبا وقد يستغرق عقودا، واعتقد ان الحرب ستستمر نحو ثلاثين عاما، وقد يمتد تهديد التنظيم المتطرف الى ليبيا ونيجيريا والصومال واليمن". واخرين غير بانيتا في البيت الابيض والبنتاغون والخارجية والـ(سي.اي.ايه) ومراكز بحوث ودراسات اميركية مختلفة، قالوا بذلك ونظّروا اليه كثيرا. ولعلها كانت صدمة كبيرة للاميركان وحلفائهم واتباعهم، حينما اعلن العراق تطهير كل مدنه ومناطقه من عصابات داعش الارهابية في النصف الاول من شهر تشرين الاول-اكتوبر من عام 2017، اي بعد ثلاثة اعوام وليس ثلاثين عاما من انطلاق العدوان الداعشي!.
ولاشك ان النظرة الشاملة والعميقة، تؤكد ان الحاق الهزيمة العسكرية بداعش، كانت الخطوة الاساسية، والمقدمة الصحيحة للعمل على الخطوات الاخرى، التي لم تكن تقل اهمية عنها، بل ان كل منها اكملت وتممت الاخرى. وثمة مظاهر عديدة يمكن تشخيصها والتأشير اليها في عموم المشهد العراقي العام، برزت وتجلت واضحة بعد تحقيق الانتصار الشامل على داعش. فعلى صعيد العمليات الارهابية بالسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة والاجساد الانتحارية، تؤكد مجمل الارقام والمعطيات، تسجيل تراجع كبير في هذا الجانب،
ولعل تتبع الاحصائيات الشهرية التي تصدرها بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق(يونامي) يؤكد ذلك، علما ان احصائيتها الاخيرة لشهر ايلول-سبتمبر الماضي، سجلت ادنى عدد لضحايا الارهاب-القتلى والجرحى-في صفوف المدنيين العراقيين، منذ خمسة عشر عاما. وهذا شيء متوقع، اذا عرفنا ان الحرب ضد داعش، طيلة ثلاثة اعوام ونصف اسفرت عن تفكيك الجزء الاكبر من خلايا ومجاميع التنظيم الارهابي وتجفيف منابعه ومصادر تمويله ومسارات تحركه في مساحات واسعة، امتدت من جنوب العاصمة بغداد، مرورا بمحيطها من الغرب والشرق صعودا الى محافظات ديالى وسلاح الدين وكركوك ونينوى، وحتى تخوم اقليم كردستان. الى جانب ذلك، فأن عودة القسم الاكبر من النازحين الذين تركوا بيوتهم ومدنهم هربا من سطوة عصابات داعش في صيف عام 2014 وما بعده، اشرت الى ان الامور تسير بالاتجاه الصحيح، وان بدا ذلك بطيئا نوعا ما.
وفي واقع الامر، مثلت موجة العودة الكبيرة للنازحين، احد نتائج وثمار استتباب الاوضاع الامنية في كثير من المناطق بعد طرد داعش منها، في ذات الوقت، فأنها هيأت الارضيات والمناخات الملائمة لترسيخ مبدأ التعايش السلمي، واعادة بناء الثقة بين المكونات الاجتماعية المختلفة، رغم ان هذه العملية تحتاج الى وقت طويل وجهد كبير وتخطيط سليم، تضطلع به جهات متعددة، حكومية وغير حكومية، ولكن لان الصراعات الداخلية في العراق طارئة، لذلك فأن اعادة الامور الى نصابها الصحيح ممكن ومتاح. وفي هذا السياق، يرى خبراء ومتخصصون بموضوعة التعايش السلمي، انه متى ما استتبت الاوضاع الامنية، وتوفرت مستلزمات الحياة اليومية الاساسية، وانخفظت حدة التشنجات والاحتقانات السياسية، انحسرت الى حد كبير عوامل التوتر والشد المجتمعي القائمة على محركات طائفية وقومية ومذهبية ودينية ومناطقية. وهذه الرؤية التي تبدو واقعية جدا، تشير الى ان تحديد مسارات صائبة للعملية السياسية، وصياغة برامج علمية عملية في الاطار الحكومي، تنعكس ايجابيا على حياة المواطن العادي، يمثل احد ابرز سبل العلاج والتصحيح المطلوب، الذي بدونه قد تبقى الامور تدور في حلقة مفرغة، ويمكن ان نشهد-لاسمح الله-عودة مقلقة للارهاب بمسميات وعناوين جديدة اخرى غير "القاعدة" و"داعش"،
ولكن بنفس الادوات والاساليب والمحركات والافكار والمحفزات. واذا كان العدوان الداعشي قد شكل تهديدا حقيقيا خطيرا لمجمل العملية السياسية في العراق، فأن الحاق الهزيمة بداعش، حافظ على ما تحقق من منجزات خلال الخمسة عشر عاما الماضية، وان لم يكن بمستوى الطموحات والتوقعات، وبالتالي تجنب الانسداد السياسي، والتقاطعات الحادة، والطرق الموصدة، والحرص على الدفع بأتجاه تفكيك العقد، وحلحلة الخلافات بين الفرقاء، ضمن سقف الدستور وفي اطار الفضاء الانتخابي، معززا بموقف موحد في الميدان خلال الحرب ضد داعش، ثبت انه كان العامل الحاسم في تحقيق النصر على داعش. وتحقيق ذلك النصر الكبير والتأريخي المهم، افرز معادلات جديدة، وثبّت حقائق مغايرة لما هو راسخ في الاذهان، لم يعد بالامكان تجاهلها والقفز عليها، من قبيل بروز محور المقاومة، كرقم صعب ومؤثر في ساحة الصراع والمواجهة، ليس في العراق فحسب، انما في عموم الفضاء الاقليمي، وفشل اللاعب الاميركي في تمرير اجنداته، وافتضاح دور اللاعب الاقليمي التابع للاعب الاميركي، في مخطط دفع المنطقة الى الاحتراب والفوضى، وبؤس النظرية او الفكرة القائلة، ان التفوق العسكري والمالي والاعلامي هو من يحسم نتائج المعارك والحروب، ولو كان الامر كذلك، لكانت واشنطن والرياض وتل ابيب في وضع افضل بكثير مما هي عليه الان.
https://telegram.me/buratha