زيد الحسن
حمل الرحالة اليمني صافي صفا جثمان والده المتوفي، ليدفنه في بقعة سمع انها شهدت انطلاق سفينة نبي الله نوح عليه السلام ، وأنها تحوي اضرحة انبياء مثل صالح وهود ونوح وذي الكفل عليهم السلام .
ورد عن امير المؤمنين علي ابن ابي طالب عليه السلام انه قال ؛ أذا ضاقت بكم الصدور عليكم بزيارة القبور ، لما لها من العبر التي تدخل الى اعماق الروح للانسان دون وعي منه او حسبان ، فأولى الخلجات التي يشعر بها زائر القبور هو حجم الفناء وإن الحياة لا تخلد الانسان ، فتدخل العبر والدروس الساميات الى نفسه لتمنحه القناعة بما لديه .
قف .. صه ... أستمع لهذا البكاء القادم من خلف تلك القبور ،،، أنه صوت بكاء لرجل مسن ؟ رحماك ربي كيف لهذا الجذع الباسق وهذه الهامة الشماء ان تذرف الدمع سخياً امام شاهد قبر ؟
دعني يا صديقي انال العبرة من بكاء هذا الجبل على قطعة المرمر الصغيرة ، واعرف ماهي الحكاية .
لا حول ولا قوة الا بالله انه والد شهيد التظاهرات الاخيرة في البصرة ، ذاك الشاب الذي سقط مضرجاً بدمائه ، وازهقت روحه لأنه خرج مطالباً بحقوقه .
ترى لم يعاتبه والده بهذه القسوة ! ويرمي الملامة عليه لخروجه للتظاهر ؟
سمعت جزء من حديث والده يقول ؛ بني لم اسرفت كل هذا الاسراف وضحيت كل هذه التضحية ، اما كان الاجدر بك ان تحافظ على حياتك من اجل ان تغمض لي العيون بيديك ، وتغسلني وتكفنني والى جوار اميري علي توسدني ، ولدي الم تعلم ان ولاة امرنا فجرة كفرة ، حياتهم صخب ويقتلون بلا ذنب ، لم جعلت من روحك حطب ، لنار لن تشتعل وإن عظم برد الظلم وزاد الغضب ، بني لم جعلت دموعي تنزل بعد ان عصمتها طوال عمري وتجلدت من حيف الغاشيات ، كسرت لي جذعي قبل ظهري ، وازهقت لي روحي داخل جسدي ، ، بعدها صفق الرجل الراح بالراح وقرأ الفاتحة على روح ابنه الشهيد .
كل عقد من الزمن هناك شهداء لنكبة وتضحيات تختلف عن النكبة التي سبقتها بحجمها ومرارتها ، وأشد نكباتنا قسوة هي نكبات الحروب المدفوعة الثمن ، التي ليس لنا فيها ناقة ولا جمل ، ايتام وارامل وامهات ثكلى ، ونواح ودموع لا تنقطع .
الدموع التي تسقط في مقبرة وادي السلام اصبحت اليوم سيوفاً بتارة بوجوهكم ، ولن تسمح لكم ان تقبروا اجسادكم فيها ، فلقد اعلنتم البراءة من علي حين خالفتم نهجه ولم تراعوا حرمة جواره ، وانتم في ارضه واستخلفتم دولته ، واصبحتم تنتمون لدول منحتكم جنسيتها وما زلتم متمسكين بها وتعلنون لها الوفاء .
متى ما تخليتم عن رجعيتكم واصبحتم احراراً واعلنتم تنازلكم عن جنسياتكم ربما سنجد لكم عذراً وندفنكم في مقابرنا التي لم تنكرنا يوماً ، وما زالت تستقبل رفاتنا بكل ود فهي ملك لنا وحدنا .
https://telegram.me/buratha