ضياء المحسن
لا يخفى على كل لبيب أنه بدون أخلاق وضوابط تحكم العلاقات بين أفراد المجتمع، يصبح المجتمع مثل الغابة تتحكم فيها الشهوات ومنطق القوة، بحيث تكون الغلبة للأقوى، وهو الأمر الذي انتبهت له الديانات السماوية كلها، كونها نزلت من سنخ واحد، وبالتالي فغن الباري عز وجل وهو العالم بشؤون عباده حدد ضوابط وقواعد تحكم بني البشر، بحيث لا يتجاوز أي فرد على حقوق الآخرين؛ مع إحتفاظه بحريته الشخصية ومعتقداته.
بملاحظة أن العراقيين بمختلف مشاربهم لا يختلفون في كثير عن بقية المجتمعات في العالم الذي يحيط بنا، لكن ما يميزهم أنهم يعتزون كثيرا بعادات وتقاليد تختلف عن الآخرين، وهذا الشيء المميز فيهم هو مشاركتهم لأبناء مجتمعهم (بغض النظر عن قوميته وديانته) في افراحهم وأتراحهم.
من هنا نجد أن أبناء الأديان الأخرى يشاركون في مناسبات دينية عديدة لدين أخرى، ويتبادلون التهاني والهدايا في هذه المناسبات، حتى ان هناك مناسبات دينية حزينة تجد أتباع الديانات الأخرى يشاركون في تلك المناسبات، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على عمق الروابط الإنسانية التي تربط فيما بينهم، بعيدا عن العُقد التي نجدها في مجتمعات أخرى، فتجد المسيحي يشارك إخوانه المسلمين في أعيادهم، كما يشارك في مناسبات دينية حزينة، قد يكون أبرزها مشاركتهم في واقعة الطف؛ وهي المناسبة التي إستُشهد فيها الإمام الحسين عليه السلام وأهله وأصحابه في محرم الحرام، كما يشارك المسلمين في أعياد أبناء الديانات الأخرى مناسباتهم، فتراهم يشاركون في مناسبات الصابئة المندائيين والأيزيديين وكذلك مناسبات الأخوى المسيحيين.
الملاحظ أن هناك هجمة منسقة يقوم بها من لديه أغراض دنيئة في محاولة لتقسيم البلاد على أسس دينية، بعد أن فشلت مخططاته الأخرى في تقسيم هذا البلد، نتيجة وقوف الشرفاء من أبناءه في وجه هذه المؤامرات، وتمثلت الهجمة هذه المرة باستغلال تصريحات من هنا وهناك، حول الإحتفالات في أعياد راس السنة الميلادية تحديدا، والتي حاول فيها أصحاب هذه الأغراض تأليب المسيحيين على إخوانهم المسلمين؛ خاصة مع ظهور تصريحات لبعض الشخصيات تستهجن بعض التصرفات الغريبة ليست في الدين الإسلامي فحسبح بل حتى أنها غريبة عن الدين المسيحي الذي يحتفل بمناسبة حلول رأس السنة الميلادية.
لاشك أننا نحترم الدين المسيحي، كما نحترم السيد المسيح وأمه مريم العذراء (عليهما السلام) كما نحترم بقية الأديان والأنبياءء، ونشارك في تلك الإحتفالات عندما تكون ضمن السياقات الصحيحة؛ التي جاء بها السيد المسيح عليه السلام، لكن عندما نجد أنها تتعارض مع ما اوصت به تعالم الدين المسيحي فإننا قطعا نستهجنها، كونها من البُدع التي تشوه الدين المسيحي، والتي قد تكون مقدمة لتشويه بقية الأديان.
من حق أي مواطن أن يحتفل ويمارس طقوسه بدون أي تدخل، سواء من قبل الأجهزة المختصة بحفظ الأمن، أو أي مواطن أخر طالما كانت في حدود الحريات المسموح بها، لأننا نعلم جميعا أن حدود حرية أي شخص، تنتهي عندما تتداخل مع حرية الشخص الأخر.
https://telegram.me/buratha