أمل الياسري
كثُر الحديث عن البصيرة والبصر عند الإنسان، لكن المشكلة ليست في الحديث بل في الإنسان نفسه، لأنه متعنت فيما يمس قضاياه، وكأنَّ الأمر لا يعنيه، فيصبح لديه عمى القلب (البصيرة) أشد من عمى البصر، وكلما إتسعت مشاكل المجتمعات، زادت المسؤوليات والتبعات التي تتحملها الدولة، ومنظمات المجتمع المدني، والأسرة، لكن خطبة الجمعة هذا اليوم، حملت عنواناً خطيراً، وخطاباً أخطر، وجهته الى جهة تلعب دوراً مهماً في بناء نواة المجتمع، إنه الأب.
يوم (4/ جمادي الاولى/1440للهجرة، والموافق 11/1/2019 للميلاد)، حمل في طياته خطبة جمعة مهمة جداً، نظراً لإستشعار المرجعية الدينية العليا، بمخاطر التفكك الأسري الذي تعيشه العوائل العراقية، وقد وجهت اليوم خطابها الى رب الأسرة (الأب) تحديداً، فطالبته بأن يشعر أبناؤه بوجوده الحقيقي يشاطرهم، ويخالطهم، ويناقشهم، فالأسرة الموحدة تكون كالسد المنيع بوجه ما يهدد النسيج المجتمعي، فمعنى الأبوة عميق جداً في مجال التربية، والأبناء يرون أن الأب هو الرب، وأعني رب الأسرة!
كتب الإمام علي لإبنه الحسن (عليهما السلام)، عند عودته من صفين وصية، برز فيها دور الأب للولد فقال: (ووجدتُكَ بعضي بل وجدتُكَ كلي، حتى كانَ لو أنَّ شيئاً أصابكَ أصابني، فعناني من أمركَ ما يعنيني من أمر نفسي) ووسط هذه الدرر الأبوية، تبرز إجابة الإمام الصادق (عليه السلام) حول مضمون الأبوة، حين سأله أحد الموالين، عن سبب حبه لأبنه أكثر من حب إبنه له، فأجابه قائلاً: (لأنه منك ولستَ منهُ).
المرجعية الدينية طالبت العوائل بتحمل مسؤولياتها، حول حجم التفكك الأسري وتداعياته على المجتمع، لبناء الحصانة الإجتماعية، وبالتالي فالقضية مصيرية تتعلق بمواجهة التحديات الإستكبارية، التي تحاول هدم مبادئ مجتمعاتنا الإسلامية، والأمر منوط بالدولة، والحكومة، والأسرة، والأب في مقدمتهم، فهو مَنْ قرر أن تكون لديه أسرة يوسع عليها، ويصونها من الضياع والإنحراف، وإذا كان عالم التكنلوجيا قد سهُل وصعُب وتعقد، لكن دور الأب لمَ ولن يلغى، فهو مسؤول عن رعيته حيثما حلَّ.
التحدث عن مورد الإهتمام من جانب رب الأسرة بعائلته، يتأتى من أهمية الأسرة بكونها نواة للمجتمع السليم، ولابد من مضاعفة الجهود، خاصة ونحن نواجه أعداء بمختلف المسميات الخبيثة، والتي تضع العصا في دوالب منظومة الدين والأخلاق، فيُدفَع بأبنائنا نحو الهاوية، ولابد لنا من فهم عالم الطفل ومفاتيحه، وأسراره لبناء علاقة أبوية حقيقية، تجعل من عملية التنسئة الإجتماعية، عملية إيجابية فاعلة، لأن صناعة الأسرة بشكل صحيح، هو خطوة سليمة لصناعة المستقبل.
https://telegram.me/buratha