عبد الكاظم حسن الجابري
يمثل السيد محمد باقر الحكيم، "قدس سره" السيره الصالحة لرجل الدين، الذي حمل الفكر السياسي.
سماحته كان يمثل مدرسة والده، السيد محسن الحكيم، الذي واكب التغيرات الجديدة في العراق، من سقوط الملكية، مرورا بالشيوعية، ثم الحكم القومي، إنتهاءا بالحكم البعثي الفاشي.
عاشت مرجعية السيد محسن الحكيم، في ظل أجواء سياسية مشحونة، وأفكار متشعبة ومتضادة، جعلت السيد الحكيم الأب يدخل بالحيثيات السياسية بكل تفاصيلها، من حيث توجيه الناس، والمطالبة بحقوقهم، والإعتراض على بعض القوانين المجحفة.
هذا التداخل المرجعي، القى بظلاله على أبناء السيد محسن الحكيم، فجعلهم من أوائل رجال الدين الذين دخلوا الحياة السياسية، سواء على صعيد التنظيم ام العمل، فكان السيد يوسف الحكيم والسيد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم، من طلائع رواد الحركة الإسلامية الشيعية على مستوى التنظيم والعمل ..
أسس الأبناء الثلاثة للسيد محسن الحكيم، وبمعية السيد محمد باقر الصدر، حزب الدعوة الإسلامية، والذي سرعان ما إنفصلوا عنه، لكنهم لم ينفصلوا عن جهادهم، والمطالبة بحقوق أكثرية الشعب العراقي ..
بعد إستيلاء صدام التكريتي، على الحكم في البلاد، ظهرت وحشية النظام البعثي بأبشع صورها، وكشرت حكومة البعث عن أنيابها، فاضطهدت وأعدمت ورحّلَتْ كثير من أبناء الشعب العراقي، وكان حصة علماء الدين، وخصوصا عائلة السيد محسن الحكيم، الحصة الأكبر من هذا الظلم ..
بعد تولي صدام الحكم، غادر السيد محمد باقر الحكيم، هو ومن تبقى من أبناء الحكيم العراق، وأحل رحله في إيران، ومن هنا إنطلقت المسيرة الخالدة للسيد محمد باقر الحكيم، من خلال تشكيله التنظيمات الإسلامية المعارضة، والتي تكللت بتشكيل المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وجناحاها العسكري فيلق بدر الظافر ..
حمل السيد الحكيم؛ هموم الشعب العراقي، فكان فاعلاً وناشطاً، من خلال توضيحه وشرحه لمعاناة العراقيين، فكانت له جولات على دول الجوار ودول الإقليم والدول العالمية، وكذلك المنظمات العالمية، والإمم المتحدة، شارحاً ومدافعاً ومتصدياً عن العراقيين ومأساتهم، وضرورة تظافر الجهود الدولية لحماية الشعب المظلوم .
تحقق حلم الحكيم الأكبر، وسقط صنم البعث عام 2003، وهنا عاد الحكيم إلى أرض الوطن، حاملا معه كل خططه ومشاريعه الطموحة، لبناء الوطن والذي ركيزته المواطن.
عاد الحكيم إلى أرض الوطن، وإستقبلته الجماهير، بذلك الإستقبال الحافل، وكان سماحته يبكي وهو يرى الجماهير تلتف حول قيادتها الدينية، ويقول بكل تواضع، أُقَبّلْ اياديكم واحداً واحداً، وقال أيضاً أنا جندي من جنود السيد السيستاني، وقال أُقبل أيادي المراجع واحداً واحداً، وهذا الأمر إن دل على شيء، فهو يدل على توجيه سماحته للإلتفاف حول المرجعية الدينية، كونها الضامن المؤتمن على حقوق وتطلعات الشعب العراقي.
لم يرق إلتفاف الجماهير حول السيد الحكيم، وطاعتها للمرجعية، لدوائر البعث والإرهاب، لذا تعاضدت قوى الشر لسلب الجماهير قائدها، فأقدموا على أبشع جريمة، في أطهر أرض، وأشرف وقت، فكانت شهادته بعد إتمامه لصلاة الجمعة، في صحن أمير المؤمنين عليه السلام، بسيارة غدر مفخخة في اليوم الأول من شهر رجب الأغر.
رحل الحكيم إلى بارئه، وختمَ حياتة بغاية المُنى، ألا وهي الشهادة، ليكون شاهدا على من كذّبوه ولم ينصروه، وشهيدا عند ربه، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.