ضياء المحسن
عندما إنتهى عهد الملكية في فرنسا وبدأ الحكم الجمهوري فيها اواخر القرن الثامن عشر الميلادي، أخذت تنتشر الأحزاب السياسية وتقسيماتها؛ من اليسار الى اليمين وما بينهما، وقد كان للشعب العربي نصيب من ذلك لأن فرنسا كانت مستعمرة معظم البلدان العربي (خاصة مصر وسوريا)، ومع أنه في قراءة متأنية لهذا الحزب سيرى القارئ أنه أمام أفكار جذابة (خاصة بين الطبقات الفقيرة)، لكن مع مواصلة البحث والقراءة تجد أن المؤامرة حاضرة منذ بدايات نشأة هذا التنظيم، فمؤسس حزب البعث ميشيل عفلق حاول بشتى الطرق والوسائل (الغير نزيهة) إزاحة زكي الأرسوزي الذي يعد مؤسس الحزب في سورية، بوسائل ملتوية في محاولة منه ليكون هو قائد التنظيم الجديد.
يعد حزب البعث بطل المؤامرات والإنقلابات، سواء في سوريا حيث إنطلق منها أول مرة أن في العراق (ستة منها في سوريا وإثنان في العراق).
في العراق إستلم حزب البعث الحكم مرتين عن طريق الإنقلاب، الأولى في الثامن من شباط 1963 عندما أطاح بالزعيم عبد الكريم قاسم وتم إعدامه في مقر وزارة الدفاع ( وهو الذي أمر بالعفو عن أعضاء في الحزب شاركوا في محاولة إغتياله التي باءت بالفشل)، وفيها أخذت الجثث تنتشر بالشوارع وأعمدة المشانق باتت تُعلق فيها جثث الأبرياء بدون مبرر، والثانية في السابع عشر من تموز 1968 وإبتدأها الحزب أيضا بمجموعة من الإغتيالات لمناوئيه.
من هنا يمكن القول بأن تركيبة هذا الحزب تقوم على الدم والتسلط على الناس بالنار والحديد، واستلم صدام حسين مقاليد الحكم في تموز 1979 وبدأ عهده بإعدام كوادر الحزب التي كان يشعر بأنها مصدر قلق بالنسبة له وأنها قد تثور عليه لأنها أحق منه بهذا المنصب، فقام بتصفية هؤلاء قبل أن يقوموا هم بتصفيته، ثم ما لبث أن قام بعدوانه على إيران في حرب إستمرت لثماني سنوات أخذت من العراق مأخذا (بالمال والرجال) خرج منها العراق وقد خسر خيرة رجاله ونتج عنها عشرات الألوف من الأرامل والمعوقين واليتامى.
كل هذا والنظام مستمر في عملية الإغتيالات والتصفية الجسدية لمعارضيه وعوائلهم، وقد إنسحب هذا التفكير على معظم قيادات هذا الحزب، فكان البعض يتجسس على الأخر ليزيحه عن طريقه ويجلس مكانه؛ كيف لا وهم يرون قيادات الحزب تفعل نفس فعلهم، بل هم من يدربون القيادات الأدنى على فعل ذلك ويباركونها.
وبعد سقوط النظام في نيسان 2003 أمر الحاكم المدني (بول بريمر) بحظر كافة أنشطة الحزب وكذلك حظر عمل قيادات الحزب في مؤسسات الدولة (العسكرية والمدنية)، وجرت عدة محاولات لإعادة نشاط الحزب إلا أنها باءت بالفشل.
لكن الملاحظ أن السلطة التنفيذية بين الحين والأخر تحاول أن تجد منفذا للبعض وتعيدهم الى الوظيفة بحجج لا تصمد على أرض الواقع، وفي حقيقة الأمر أن السلطة التنفيذية ساهمت وبشكل جدي في إعادة الكثير من البعثيين الى وظائف حساسة لها مساس بأمن الوطن والمواطن، وهو أمر مخالف للقانون، ذلك لأن هيئة المساءلة والعدالة ومن قبلها هيئة إجتثاث البعث لم تبت في أمر الكثير من هؤلاء؛ بالتالي كيف تسنى للسلطة التنفيذية إعادتهم الى الوظيفة ولما تثبت براءتهم بعد؟!
لسنا في وارد الإعتراض على إعادة الذين لم تتلطخ أيديهم بدماء العراقيين، فهؤلاء من حقهم أن يعودوا الى عملهم لكن بشرط أن لا يستلموا مناصب تنفيذية أو إشرافية؛ ليس لعدم الثقة بهم لا سامح الله، لكن خوفا عليهم من أن تمتد إليهم عناصر حزب البعث الذين مازالوا يمنون النفس بالعودة الى السلطة، ومن ثم يضغطون عليهم لتنفيذ مأربهم الخاصة.
https://telegram.me/buratha