علي فضل الله الزبيدي
باحث في الشأن السياسي والأمني
العراق من الدول التي قدر لها أن يكون حبيس السلاح، طوال قرن من الزمن، فرغم تأسيس الدولة الحديثة الذي يمتد لبداية القرن العشرين، إلا إن نظامه السياسي ظل قلقا" وغير مستقر، وعانى كثيرا" من ويلات الإنقلابات العسكرية والحروب الطاحنة، التي إستنزفت العراقيين على المستوى البشري والثروات الطائلة التي اسرفت من إجل شراء الأسلحة ولمختلف الصنوف العسكرية، حتى صار السلاح جزء من مكونات الحياة العراقية بل أجزم إنه عموم البيوتات العراقية، صار السلاح جزء" من أثاثها، بل قد نجد كثير من العوائل العراقية تعاني الفقر وتفترش الأرض، إلا إن السلاح يكون رفيق بيته، سواء كان ذلك العقار ملكا" أو إيجار.
حتى غدى العراق اليوم، أمام أزمة كبير تهدد سلمه المجتمعي، ألا وهي موضوعة السلاح المنفلت الخارج عن حصر وسيطرة الحكومة العراقية، وقد أشتد وطيس هذه الأزمة بعد عام 2003، جراء إنتشار الأسلحة التي تركت في الشوارع، جراء أنهزام النظام الصدامي أمام القوات الأمريكية، وقيام الأمريكان بفتح أبواب المؤسسات العسكرية الإمنية العراقية، لتكون عرضة للنهب والسلب، وفق سياسة أمريكية معدة مسبقا"، من أجل تحقيق أمرين عند دخولها العراق وهما:
1_حل الوزارات والمؤسسات الأمنية، لتجعل من العراق بلدا" مكشوف الأرض والحدود لكل الدول العربية والأقليمية والدولية، فتحول العراق مسرحا" لحروب الوكالة وتصفية الحسابات بين الدول المتخاصمة، والتي تريد أن تستأثر بالعراق وموقعه الإسترتيجي وإمكاناته الإقتصادية الكبيرة، وفق رؤية مستشارة الأمن القومي الأمريكي وقتها (كوندليزا رايس)، عبر إسترتجية الفوضى الخلاقة، لتتحول المنطقة بأسرها موقع للحروب الإستنزافية، وذلك مراد أصحاب المجمع العسكري الأمريكي، والشركات النفطية والمصرفية الأمريكية بالأضافة للكيان الصهيوني، وهي بمجموعها الرابح من تلك الحروب، وكان ضحيته شعوب المنطقة خصوصا العراق.
2- كان المراد الأمريكي الثاني، تحويل البيوتات العراقية إلى ثكنات عسكرية، من أجل تهيئة بيئة مناسبة، لقيام حروب أهلية وطائفية، لتقطيع أوصال اللحمة المجتمعية العراقية وإعادة رسم خارطة العراق، وفق ما يتناسب ورؤية مشروع الشرق الأوسط الجديد، لتقسيم البلد بما يتطابق ورؤية السيناتور الأمريكي(جون بايدن)، إلى أقاليم ثلاثة معروفة الصبغة والتسمية، لا أريد أن أسميها لغاية في نفسي، ذلك التوجه الأمريكي جعل السلاح منتشر بشكل مرعب في العراق.
وما عمق هذه الأزمة، ضعف سلطة الحكومة العراقية، وعلوية الأحزاب السياسية على الدستور والدولة، التي ولدت شعور سلبي لدى المواطن العراقي، كان نتيجته ضعف ثقة المواطن العراقي، بقدرة حماية أمن البلد والمواطن من قبل الحكومة العراقية، كان سببا" كافيا" في حسابات الفرد العراقي، للأحتماء بالمكونات المجتمعية والسياسية، فأصبحت العشيرة في حسابات المواطن العراقي، أقوى من الدولة العراقية، خصوصا إن بعض الرموز السياسية المتخاصمة، إلتجأت إلى الدواوين العشائرية بدلا" من أن تتوجه تلك الشخصيات السياسية إلى القضاء، لترسخ شعور المواطن العراقي بوجوب عدم الثقة بالحكومة في حمايته، وبرزت سلطة الأحزاب العاتية، لتكون الحصن المنيع لحماية كثير من الفاسدين الذين تسببوا بسرقة وهدر المال العام، وعليه عندما تكون مكونات الدولة المجتمعية(العشائر) والسياسية( الأحزاب) أقوى من سلطة الدولة، فلا غرابة من إن يكون السلاح خارج سلطة الدولة.
وطبقا" لهذه الرؤية فأن الأسلحة المنفلتة تصنف لثلاثة أنواع بحسب درجة خطورتها هي كالأتي:
أولا"_ أسلحة الحماية الشخصية وهي بالغالب أسلحة خفيفة.
ثانيا"_ أسلحة العصابات التي تستخدم في تنفيذ جرائهم، وتكون خفيفة ومتوسطة، وهذان السلاحان بأمكان الدولة وفق أمكاناتها الحالية السيطرة والأستحواذ على تلك الأسلحة وتحجيم إنفلاتها عن سيطرة الدولة.
ثالثا"_ السلاح الذي بحوزة الأجنحة العسكرية للأحزاب السياسية وتدعم هذا السلاح جهات خارجية كثيرة متصارعة في العراق، وهو السلاح الأخطر لأنه يزاحم الدولة على السلطة، ولمعالجة وتحجيم أزمة السلاح الثالث، نحتاج إلى خطة إسترتيجية( تحتاج لبحث مفصل لا يتسع لها المقال) من قبل الدولة العراقية، تتعاون على وضع هذه الخطة وتنفذها وزارات ومؤسسات حكومية كثيرة على ان يتوفردعم دولي لذلك، والأهم من كل ذلك نحتاج إلى إرادة سياسية حقيقة، من قبل المكونات السياسية التي لا أرى في المستقبل القريب إن النية متوفرة لدى الأحزاب السياسية.
https://telegram.me/buratha