المقالات

صورة "الريّس"..!

1305 2019-07-11

حسين فرحان

 

يتدوال كبار السن حكاية الرئيس العراقي الراحل عبد الكريم قاسم مع الخباز الذي وضع صورة كبيرة له في محله، فطلب منه أن يصغر الصورة ويكبر الرغيف ..

هذه الحكاية - رغم قدمها - فإنها لم تجد لها متنفسا قبل عام ٢٠٠٣ ولم يتم تداولها إلا في بعض المجالس الخاصة، حين كانت الحرية مومياء تقبع تحت القصور الرئاسية وأهرامات المملكة البعثية في جمهورية القائد الضرورة الذي ملأت صوره أرجاء حياتنا في مداخل المدن ومخارجها وفي دوائر الدولة

ومؤسساتها .. في المناهج الدراسية ودروس الرسم وعلى الشاشة البيضاء والسوداء فالملونة .. وعلى النقود حتى تستشعر ضرورته الأيادي أن تجاهلت العيون صورته ..

أتذكر .. حين وقع على العراق حيف الحصار والسنوات العجاف وتنعمنا حينها بأنسانية الغرب وأمريكا وهم يقتلون الشعب ببطء شديد، أن النقود صارت تطبع في مطابع النظام لتمشية الحال فكانت فرصة سانحة للمزورين أن ( يزوروا المزور )، فكان السوق يعج بفئات نقدية حكومية - مزورة بشكل رسمي - وأخرى مزورة بشكل غير رسمي، وكان هذا الأمر يشكل هاجسا محيرا لفئات هذا الشعب المسكين الذي استعان بأجهزة تكشف المزور الحكومي من المزور الآخر وبكل الأحوال هي مفارقة غريبة في زمن العجائب الصدامية .. فظهرت فئة من الناس خبيرة في مجال اكتشاف الفروقات فالخط والنخلة والفسفورة من مقومات العملة الصدامية وعدم وجودها يعني أنها حبر على ورق ولايتم التعامل بها رغم أن هذه وتلك تتوسطهما ( صورة الريس ) .. وقد دفعني الأمتعاض في حينها الى افتقاد صورة الحصان التي كانت تزين العملات القديمة المعروفة بـ ( السويسرية )

( قد عميت عيوننا نبحث في الجهاز ..

عن نخلة لاتمنح التمر ..

لكنها بهية ..

رئيسنا لم تكفه الرئاسة ..

فزاحم الحصان ..

في العملة النقدية .. )

كنت أردد بين أصحابي الثقات - الذين يحفظون السر - هذه الكلمات التي كنت احتفظ بها في أوراقي ثم مزقتها حين علمت بأن لجان التفتيش اقتربت كثيرا من حينا .

ثقافة الصورة ماتزال عالقة في أذهان البعض ومازال البعض يؤمن بها رغم تقادمها وتهالكها، رغم حالة القرف والامتعاض منها .. رغم حالة الملل التي صاحبت هذا الشعب طيلة ٣٥ عاما من هذه الثقافة البالية التي تفرض على الجميع أن يرى ( صورة الريس ) وماتزال - رغم اختفاء ذلك الوجود البائس للنظام المقبور - ثقافة الصورة تتصدر المشهد اليومي لحياتنا دون مراعاة لتعدد التوجهات واختلاف الرؤى، وربما نتفق جميعا على أنها كانت ثقافة بالية فيها تشويهها للمباني والجدران ومداخل المدن وفرض للرأي والتوجه والأنتماء واستعراض ينتمي لتلك العقلية القديمة المستهلكة، فلماذا هذا الأصرار على البقاء في نفس الدائرة .. لماذا لانتفق على المشتركات ؟ .. فالزهور والحدائق واللوحات الإعلانية الجميلة لايختلف فيها إثنان .. لماذا لانمتثل لضوابط التعايش ؟ لماذا لانخضع للتغيير نحو الأفضل والأجمل ؟ نخلد صور الشهداء .. نصنع لهم نصبا تذكارية .. نخلد رموزنا .. علمائنا .. وبشكل معقول لا أفراط فيه .. نحن لسنا بحاجة لأن نبدأ رحلتنا - في تغيير هذه المفاهيم - من الصفر، كل ما علينا القيام به هو أن نبدأ من حيث انتهى العالم المتحضر، علينا فقط أن نرمي بطرفنا إلى عاصمة من عواصم العالم المتحضر ونستنسخ تجربتها في هذه المجالات ولابأس أن تكون لنا بصمتنا وذوقنا .. أما آن الأوان أن نتخلى عن ثقافة ( صورة الريس ) التي راح ضحيتها في ذلك الزمن أناس رمى أطفالهم القمامة دون قصد قربها ليتلاقفهم جلاوزة الأمن العامة والشعبة الخامسة تنكيلا وتعذيبا دون رحمة ..

القضية بحاجة إلى وقفة مع الذات والإيمان بأن لكل شخص الحق في أن ينظر لصورة من يحب لكن في بيته لا في مداخل المدن وعلى الجدران والأعمدة وفي جهات الأرض الأربعة .

..................

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك