المقالات

ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا ...

1531 2019-07-17

حسين فرحان

 

أجيال كانت تمني النفس أن ترى زمنا خاليا من ( البعث ، صدام ، الحرب ، الكبت ، الاضطهاد ، الحكم الفردي والاستبدادي ) وكانت تحلم ( بالتحرر ، الديمقراطية ، السلام ، ودستور ضامن لحياة حرة كريمة ) وأحلام أخرى .

سقط النظام في ٢٠٠٣ وانهارت معه دولته لكنه لم يسقط في ليلة وضحاها ، لأن من سعى في إزالته استخدم طريقة التمهيد قبل الانقضاض ، فكان ذلك التمهيد مشؤوما بكل ماتحمل الكلمة من معنى لأنه قد تضمن حصارا اقتصاديا وعزلا تاما عن العالم الخارجي استمر ١٢ عاما ، كان المتضرر الاكبر منه هو الشعب ولا أحد آخر سواه ، وبقي النظام يعيش ترفه ويمارس سلطته ويكمل ماتبقى من مشروعه الطائفي في القضاء على ما تبقى من أثر للمذهب الجعفري والفكر الشيعي عموما وأكمال رسم تلك اللوحة الشيطانية التي تعطي انطباعا للآخرين عن النسب السكانية للمكونات الاجتماعية لهذا البلد ومن هم الأغلبية فيه ومن هم الأقلية مع ترك انطباعات أخرى ذات صلة بالانتماء المذهبي لابناء هذا البلد ، وقد لاحظنا فيما بعد كم كانت هذه الخطط محكمة لدرجة أن الاكاذيب التي أسست عليها عدت من الحقائق في عقلية شعوب جميع الدول العربية بل وأنظمتها مما خلق حالة من عدم تقبل حقيقة أن الشيعة هم الأغلبية في هذا البلد وأن العراق الذي عرفوه في زمن (التكارتة ) هو عراق سني لا أثر للشيعة فيه الابنحو يوصفون فيه بالأقلية ، وهذا من أهم الأسباب التي دعتهم كشعوب وأنظمة الى احتضان رموز البعث وانصاره ودعمهم في هجمتهم الارهابية بالدافع المذهبي والدافع القومي ، فكان لأمريكا في حمايتها لصدام طيلة ٣٥ عاما الأثر البالغ في خلق هذا التصور الباطل لدى تلك الشعوب التي كانت ترى العراق بعيون صدامية ، وكان لها أيضا دور كبير في ترسيخ هذه المفاهيم وبنسبة عالية جدا خلال فترة الحصار .

لذلك تعتبر سنوات الحصار الفترة الزمنية اللازمة التي احتاجتها أمريكا لتحقيق مآرب عدة من أهمها فسح المجال لصدام لأكمال مشروعه الطائفي وتهيئة الشعب العراقي نفسيا لاستقبال المشروع الأمريكي الجاهز والمعد مسبقا في أروقة (البيت الأبيض )، وهنالك مآرب أخرى حققتها أمريكا مستعينة بفترة العقوبات الاقتصادية لا يسع المجال للتطرق اليها .

هنا وفي خضم هذا الحدث الكبير ( حدث إسقاط النظام ) ، كان المجتمع الشيعي مايزال في مرحلة السير من باب السجن الكبير المظلم متجها نحو حياة لا يعرف ما أعد له فيها ، فهو مجتمع لم يمنح الفرصة ليعد عدته في تمثيل سياسي يناسب حجمه وتطلعاته فضلا عن كونه بحسابات الآخرين وتصوراتهم وانطباعاتهم لايشكل سوى أقلية من أقليات المجتمع ، حتى أنني أتذكر كيف كان خروجه لأداء زيارة أربعينية الأمام الحسين عليه السلام قد شكل صدمة لأصحاب مشروع التغييب إذ كيف تكون الزيارة مليونية لفئة تعد من الأقليات ، فكانت هذه الزيارة من أهم دواعي التعتيم الأعلامي الجديد الذي استمر في تجاهل الشعائر الحسينية لغاية اليوم .

أما واقع التمثيل السياسي للشيعة فهو بطبيعة الحال لم يخرج عن أطار كون المعارضة التي كانت في الخارج هي الممثل الجاهز لهم في أي عملية سياسية تعقب العمليات العسكرية للاحتلال ، وأن هذه الأحزاب الشيعية المعارضة لنظام صدام قد كانت في المهجر بقادتها وكوادرها ولا أحد من الجمهور يعلم عنها سوى كونها معارضة وأن لها تاريخها بل أن الآمال لسنوات طوال قد عقدت عليها خاصة بعد أن أعطت العوائل الشيعية آلاف الشهداء الذين أعدمهم صدام بذريعة انتماءهم لتلك المعارضة وهي ذريعة كلفت المجتمع الشيعي خسارة فادحة في الأرواح ، وهذا من الأسباب التي جعلت هذه المعارضة النموذج المثالي للتمثيل السياسي بنظر هذا الجمهور المتعطش لممارسة حياته بشكل طبيعي ، ولأن سوءات المتصدين لم تكتشف بعد ولم يكن لأحد أن يعلم الغيب ، ولم يكن في الوقت متسع لترشيح أشخاص من داخل البلد مع سعي الامريكان الحثيث المتسارع والعمل على انجاز المشروع السياسي بكتابة دستور جاهز بأياد أمريكية أو بتعيين لجنة لكتابة الدستور ومن ثم اعتماد هذا الدستور الامريكي لتحديد شكل نظام الحكم والذي لن يختلف كثيرا عما سبقه وسيرسخ دكتاتورية جديدة بنكهة ديمقراطية تخدم سياسة الامريكان ، .. وقفت المرجعية الدينية العليا بوجه هذا المشروع السياسي الذي يعد الاساس والمرتكز لتتمة سائر المشاريع القذرة ، ووقفت بالضد من الارادة الامريكية والادارة الامريكية لتصدح بكلمة الحق : (إنّ تلك السلطات (سلطات الاحتلال) لا تتمتع بأيّة صلاحية في تعيين أعضاء مجلس كتابة الدستور ) .ودعت الى انتخابات جمعية وطنية تنبثق من أعضاءها لجنة لكتابة دستور العراق وتشرف على إجراء استفتاء شعبي عليه ومن ثم يكون هذا الدستور هو نقطة الانطلاق لعراق جديد برؤى المرجعية العليا لا برؤى امريكية .

وفي كل الاحوال فأن انتخابات الجمعية الوطنية كانت بحاجة الى تمثيل سياسي للشيعة فيه ، ولم يكن في الساحة السياسية سوى ممثلوا الاحزاب المعروفة سابقا ( بالمعارضة ) ولم يتصد أحد لهذا الامر سواهم بسبب تغييب النظام الصدامي لاي مظهر سياسي شيعي طيلة عقود من الزمن ، وقضية الوقت كانت مهمة لأن أمريكا ماضية بما جائت من أجله ، فما كان من الشعب الا أن يدلي بصوته لهم ، لأن الأمر متعلق بمصلحة عليا أولتها المرجعية الدينية اهتماما بالغا فأن كتابة دستور للبلاد في ذلك الوقت أهم من قضية من سيتولى المناصب فالعبرة بالثوابت لا بالمتغيرات ، ويجب الألتفات الى أن انتخابات الجمعية الوطنية كانت لهذا الغرض ( كتابة الدستور ) حتى لايتبجح أحد ويتلاعب بالحقائق ويلقي باللوم على المرجعية الرشيدة كما نرى ونسمع من أناس عميت أعينهم عن الحقيقة .

الانتخابات كانت لغرض كتابة الدستور ولغرض إسقاط المشروع الأمريكي وهي غايات أهم من كون الحزب الفلاني سيحكم وغيره لا يحكم .

وبعد هذه السنوات اتضحت الصورة بشكل أكبر أما فيما يخص من تصدى للعمل السياسي فقد ظهرت حقائق كثيرة افرزتها ممارسة هذه الاحزاب للسلطة وقد برهنت على أنها تعمل وفق مصالحها وماتمليه عليها ارتباطاتها ، وهي ماتزال تتبجح لتبين حرصها على مصلحة الوطن والمواطن وفي ذات الوقت تدير ظهرها للمرجعية الدينية العليا وتسد آذانها عن الاستماع لما يصدر عنها من توجيهات فما كان من المرجعية الا أن أغلقت الباب بوجوه الساسة وبينت في خطبها مدى تمردهم وانشغالهم بمصالحهم ومصالح احزابهم ولما رأته من نكثهم للعهود والمواثيق وحنثهم للأيمان المغلظة .

فهم حين رأوا السلطة والمليارات سقط كل شيء من الاعتبار لديهم واصبحوا ناكثين لعهودهم لينطبق عليهم خطاب الامام الحسين عليه السلام لمن تخاذل عنه : ( ولكن أسرعتم إليها كطيرة الدَّبا، وتداعيتم إليها كتهافت الفراش، ثمّ نقضتموها،....) .

..................

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك