كندي الزهيري
المجتمع هو حاظنة للجميع، فإن أفراد الطبقة السياسية التي تقود الدولة سياسيا، يخرجون من هذه الحاظنة، وثقافتهم من ثقافة المجتمع، ومع ذلك اذا اراد شخص ما أن يدخل عالم السياسة (المعقد)، عليه أن ينفض الجهل عن عقله تماما، ويغتسل بالعلم، ثم يدخل هذا المجال الذي يتحكم بمصائر دول وشعوب كاملة.
لا نغالي اذا قلنا أن الجهل السياسي هو أخطر أنواع الجهل، كونه يصيب صنّاع القرار، وهؤلاء مسؤولياتهم تتجاوز حدود الذات، فالسياسي يختلف عن عامة الناس، بل يختلف عن القادة في المجالات الاخرى، فالقائد أو المسؤول السياسي، يتحمل مسؤولية أمة ومصير شعب كامل، قد يتسبب بإلحاق الأذى والضرر به، أو العكس، وهذه النتيجة المحصورة بين النجاح والفشل، تعتمد على مدى تخلّص السياسي من الجهل.
قد يكون مبررا ذلك التهافت على العمل السياسي في السنوات الأولى بعد نيسان 2003، فهناك كثيرون ليسوا من أهل السياسة دخلوا فيها أملا بتحقيق المكاسب المادية، وهذا الأمر ليس ممنوعا على أحد، ولكن عندما تكون السياسة عملا مشاعا، فإن الجهل السياسي سوف ينتعش، وأن كوارث سياسية واقتصادية سوف تحل بالدولة والشعب، لذلك لو كان جميع ساستنا من ذوي الاختصاص في العمل السياسي ، لكنا قد تجاوزنا الأخطاء في السنوات الأولى.
لذلك لا مغالاة في قولنا، أن هناك من العاملين في ميدان السياسة يفتقرون للثقافة السياسية في ابسط صورها وأدنى مستوياتها، ومع ذلك يدخل هؤلاء في لب العمل السياسي، لهذا نلاحظ التخبط في اتخاذ القرارات والعشوائية والافتقار للمنهج والتنظيم والتنفيذ السليم، ولا شك أن هذه الفوضى ناجمة عن عمل الأشخاص غير السياسيين في الحقل السياسي، مع انهم لا يمتلكون المعرفة السياسية ولم يسعوا الى تحصيلها لأسباب عديدة، أولها أن ثقافتهم العامة ذات مستوى متدني، وهذا ينعكس على ثقافتهم السياسية حتما.
إن السياسة كما يؤكد المعنيون في هذا الحقل المعقد، لا تعني استلام السلطة فقط، إنها نوع من الادارة العميقة والدقيقة والشاملة لشؤون الدولة والمجتمع، انها تشمل عموم المهام التي تتعلق بالدولة والشعب، وهذه المهام لا يمكن أن يتصدى لها غير العارف ممن لم يهضم الفنون السياسية ولم يطلع على علومها نظريا ثم تطبيقيا، وهذا ما يحدث الآن فعلا في ساحتنا السياسية.
ومع ذلك هناك من يقول من العاملين في السياسة، إننا نحاول أن نتعلم إدارة شؤون الدولة والمجتمع، لكنهم لا يسعون الى تحصيل المعرفة السياسية ولا يقومون بقراءة التجارب الماضية للسياسيين، وهكذا تكون ثقافتهم السياسية في حالة ضمور أو غياب دائم، الامر الذي ينعكس على الأداء السياسي للحكومة، فيكون صنع القرار فوضويا عشوائيا يتسم بالجهل وعدم الوضوح، فضلا عن الثغرات التي تتيح مجالا للفساد وما شابه، وهذا ما نعيشه منذ سنوات في واقعنا الراهن.
ولكن ينبغي أن يفهم الجميع، لاسيما من يعمل في صناعة القرار، بأن معالجة الجهل السياسي لا يتعلق بالمزاج الفردي او ظرفه، بل هي قضية تهم حياة المجتمع أولا، ومن البديهي أن يتم رفض غير المثقف سياسيا ومنعه من العمل في الشؤون السياسية بسبب الكوارث التي يمكن ان تضر بالدولة، لهذا تم تحديد الضوابط ومنها الشهادة الدراسية، لكي يتم ضمان تحصيل الثقافة في مستواها الأدنى لمن يتقدم للعمل في السياسة.
وأخيرا لابد من اتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة هذا الخلل الخطير، ونعني به مقارعة الجهل في العمل السياسي، من خلال القيام بخطوات إجرائية ملزمة لكل من ينوي العمل في الحقل السياسي، وأهمها أن يكون ملما بثقافة عامة ومعرفة سياسية جيدة، تجعل من قراراته ومشاركاته ومسؤولياته غير قادرة على التسبب بكوارث للدولة والشعب على حد سواء.
...
https://telegram.me/buratha