محمد الجاسم ||
إحتضنت جغرافيا جبال شرق تركيا (المناطق ذات الأغلبية الكردية) بوادر تشكيل عدد من التنظيمات السياسية المسلحة التي تنادي بحقوق المكون الكردي في تركيا،وتداعب مشاعر المواطنين الكرد بحلم قومي عريض ،وكان من أغرب تلك التنظيمات ما قام بتأسيسه (عبد الله أوجلان) الشاب اليساري الماركسي من تنظيم في أواخر العام1978،الذي وإن كانت عقيدته ماركسية لينينية في الظاهر، لكن الحقيقة كانت كما هو واضح من الخطاب الرسمي لهذا التنظيم بإنه قومي شوفيني متعصب، ويسعى لإقامة أقاليم إنفصالية في الدول التي يعيشون فيها، وجمعها فيما بعد ليشكلوا منها مايسمى (دولة كردستان الكبرى)،وهذا بالضبط ما دعا دول المنظومة الإشتراكية الى أن تُحْجِمَ عن تقديم العون له،وبقيت أحجية مصادرُ تمويله مشبوهةً الى يومنا هذا،لكن التنظيم الفتي سرعان ما اجتذب إليه خلال عشرين سنة فقط عشرة آلاف مقاتل من الرجال والنساء مدربين ومسلحين ومعبّئين سياسياً .
لقد مارس هذا التنظيم شتى وسائل المواجهة العسكرية مع النظام التركي،واستفاد من علاقته الحميمة مع مسعود برزاني في أن يضع له قواعد في شمال العراق،ورغم حملات الكرِّ والفرِّ بين حزب العمال الكردستاني وبين السلطات التركية،التي وصلت بعضها الى مراحل دموية خطيرة، راح ضحيتها الكثير من الطرفين المتقاتلين ومن المدنيين أيضا،فإن الطرفين إضطرا أحياناً الى الهدنة ووقف إطلاق النار لضراوة المواجهة.ويبدو أن السلطات التركية كانت تنظم نفسها لهجوم كاسح على هذه التنظيمات المسلحة الإنفصالية الإجرامية،وقد تصاعدت معنوياتها وتقوّت شكيمتها بعد إعتقال قائد التنظيم الإنفصالي عبد الله أوجلان وإخفاء مصيره.وبدأت القوات التركية بعمليات عسكرية داخل شرق تركيا ثم في شمال سوريا والآن وصل الدور للمرة الثانية الى العراق.
لم يكتفِ الإنفصاليون الكرد الترك في استغلال الأراضي العراقية للإختباء أو المناوشات عبر الحدود مع الجانب التركي،بل ذهب بهم الغيّ والإستكبار الى احتلال جبل سنجار والدخول الى القضاء وبناء قرى لعوائلهم ومريديهم بعلم حكومة الإقليم التي لم تحرك ساكناً،ما دفع القوات التركية الى التدخل العسكري لمعالجة أهداف لحزب العمال الكردستاني التركي في الأراضي العراقية بالطائرات والصواريخ والإنزال الجوي والهجوم البري،دون أن نرى ردة فعل واحدة لمايسمى (قوات حرس الإقليم) البيشمركة كأن ترفع يدها ،مرة ضد تمدد الحزب الإنفصالي التركي على اراضي الإقليم،ومرة ضد التدخل العسكري التركي الذي استهان تماماً بالسيادة الوطنية وداستها جنازير الدبابات التركية هناك.
وعلى الصعيد الرسمي للحكومة الإتحادية،فقد بادرت هذه الحكومة بمبادرات باهتة وخجولة ولاترقى مطلقاً الى عظمة الحدث بوصفه إحتلالاً عسكرياً منظماً ومقصوداً لأراضيها من قبل جيش دولة جارة،واكتفت بإستدعاء السفيرالتركي مرتين وتسليمه مذكرات احتجاج دبلوماسية،ضاعفت بعدها القوات التركية هجومها الجوي على مناطق عراقية ،وتمددت القطعات في داخل مدن وقصبات عراقية.
من غرائب الأمور في حكومة السيد الكاظمي أنها تحرك قوة من جهاز مكافحة الإرهاب الى منطقة البوعيثة في الدورة ـ قيل فيما بعد أن ذلك تم بسبب معلومات مغلوطة عن (إحتمال) وجود منصات صواريخ (تنوي) فصائل مسلحة إستهداف المنطقة الخضراء بها ـ ولم تحرك ،بل ولم تلوّح بحركة قطعات بإتجاه قضاء سنجار العراقي لطرد القوات الغازية التي جاءت من خارج الحدود مع سبق الإصرار والترصد،وليس (إحتمالاً) أو(تنوي) احتلال ذلك الجزء من أرض البلاد.
نقول للحكومة الإتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق إن الدولة العراقية ليست لقمة سائغة للأجانب ذوي الأحلام التوسعية العثمانية من جانب،كما إنها ليست لقمة سائغة للأحلام المريضة الإنفصالية لتكوين دولة قومية عنصرية على جزء منها..وأجزاء من الدولة السورية أو التركية أو الإيرانية. وإن ما تتبجح بإعلانه رسمياً الدولة التركية بإطلاق عملية عسكرية بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني في كلً من منطقة سنجار/شنكال ومخيم مخمور للنازحين وجبال قنديل،واستخدام الطائرات القاصفة بأكثر من أربعين غارة جوية على مناطق جبال سنجار/ شنكال ومخيم مخمور للاجئين،ثم تجريف مايقرب من عشرين قرية مأهولة بمواطنين عراقيين، لهو التحدي الخطير للسيادة الوطنية ،وعلى الحكومة العراقية والبرلمان العراقي أن يقولا رأيهما بذلك ويعدان العدة لمجابهة هذا الخرق الأخرق للسيادة الوطنية.
ورُبَّ قَوْل..أنْفَذُ مِنْ صَوْل.
ناصريةُ ـ دورتموند / ألمانيا