ضياء المحسن ||
يعد المجتمع العراقي من المجتمعات الشابة قياسا الى بقية شعوب العالم، بالإضافة الى ذلك فهو يعد من الشعوب المثقفة، حيث تمتلك النسبة الأكبر من سكانه الى شهادة جامعية أولية، لذلك فهو يعد من الشعوب القليلة التي تتمتع بها القوى العاملة على تعليم جامعي أولي.
غالبا تقوم الدول بالإستفادة من هذه القوى العاملة في تنشيط إقتصاداتها، إعتمادا على الأفكار والرؤى التي يطرحها هؤلاء، مع القليل من التوجيه الذي تقوم به الوزارات ذات العلاقة، خاصة وزارة التخطيط فيما يتعلق بالمشاريع الإستراتيجية والتي لها مساس بالأمن الغذائي.
السؤال الذي يتبادر مباشرة الى ذهن القارئ، هل تقوم الحكومة ووزارة التخطيط تحديدا بهذا الأمر؟ وماذا فعلت لإستقطاب هؤلاء الذين لديهم أفكار تستطيع الدولة من خلاله القيام بتنشيط أغلب القطاعات الإنتاجية المتوقفة عن العمل، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار حجمم القوى العاملة التي تدخل الى سوق العمل سنويا، دون أن تجد فرصة عمل حقيقية لها، وعندما نقول فرصة عمل حقيقية، نعني العمل بالإختصاص الذي يحمله، فليس من المعقول أن يعمل خريج هندسة بناء حارس للكلاب البوليسية مثلا، أو أن يعمل خريج هندسة فيزيائية موظف في دائرة بعيدة كل البعد عن إختصاصه.
من الضروري أن تقوم وزارة التخطيط بالعمل على توجيه الوزارات ذات العلاقة بالتخطيط لفتح الأقسام الدراسية وفقا لحاجة سوق العمل في العراق، لأننا الى غاية اليوم نتغافل عن أمر مهم في التعليم؛ ألا وهو الكوادر الوسيطة، هؤلاء الخريجين تقوم المعاهد الفنية بزجهم الى سوق العمل وفقا لإحتياجات السوق، لكن الملاحظ ومن خلال متابعتنا أن هذه المعاهد بالكاد نجد فيها طلبة يدرسون، مع أن السوق بحاجة إليهم بنسبة أعلى من خريجي الكليات، هذا إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أن خريجي المعاهد الفنية يمتلكون خبرة ميدانية وعملية، أفضل من خريجي الكليات، لكن المشكلة أن الشباب اليوم يريد جُلهم الحصول على الشهادة الجامعية، بغض النظر عن مدى الإستفادة من هذه الشهادة، المهم أن يحصل على الشهادة الجامعية، ويظل يطرق أبواب الدوائر الحكومية للحصول على عمل.
ما يحصل فعلا قتل للطاقات التي يملكها هؤلاء الشباب (بنين وبنات)، والسبب في ذلك ضعف الإجراءات التي تجعل الخريج يتهافت على أبواب دوائر الدولة للحصول على هذه الوظيفة أو تلك، حتى أننا نجد أن بعضهم يدفع الأموال في سبيل الحصول على الوظيفة، والغاية هو الحصول على راتب ثابت، بالإضافة الى التقاعد في المستقبل.
إذا المشكلة الأساسية التي يحاول الحصول عليها الخريج هو تأمين مستقبله (الراتب التقاعدي)، وهو الأمر الذي يمكن إيجاد حل له عن طريق إنجاز قانون التقاعد الخاص بالعاملين في القطاع الخاص، والذي يجب أن يكون ملزما لأصحاب العمل، بضرورة تسجيل جميع العاملين لديهم في هذا الصندوق.
قد يواجه أصحاب العمل مشكلة في القانون، تتمثل في الفارق بين الراتب الممنوح للعامل، وبين ما يفترضه القانون من أجر للعامل، وهنا لابد من إجراء إستبيان في القطاعات التي يتم شمولها بالقانون، للوصول الى طريقة مناسبة لحساب معدل الأجر اليومي أو الشهري لهؤلاء العاملين، بعد ذلك يتم إحتساب النسبة التي يدفعها كل من العامل وصاحب العمل لهيئة التقاعد.
صحيح أن القانون موجود، لكنه قديم ولا يتماشى مع الوضع الحالي، كما أنه يجب وضع ضوابط يلتزم بها صاحب العمل في إدراج العاملين حقيقة لديه، وليس كما يحصل الأن في بعض المعامل التي يقوم أصحابها بتسجيل أقاربهم وأصدقائهم في صندوق التقاعد، وهم لا يعملون حقا، في وقت أن العاملين الحقيقيين غير مسجلين.
إن الخريجين العراقيون يمتلكون قدرات هائلة تمكنهم من تحريك الإقتصاد العراقي، بما يجعله لا يعتمد على الإستيرادات، بل أنه يستطيع التصدير من الفائض إذا ما كانت هناك إرادة حقيقية للحكومة في تنشيط هذه القطاعات، خاصة تلك القطاعات التي لها مساس بالحياة اليومية للمواطن.
https://telegram.me/buratha