د. هاتف الركابي ||
الحياة لم تعد تحفل إلاّ بالتافهين والحمقى.. أمّا أولئك الذين يعرفونها جيداً وأدركوا كُنهها تُعاندهم وتقف في وجوههم؛ لأنّهم رفضوا الخوض في تفاهاتها ولأنّهم اندسوا أقلاماً في صفحات أيامها يتشربون الأحرف بصمتٍ، يؤجلون الكلام للحظة الإمتلاء، والحياة تعشق الأقلام الخاوية الجوفاء لأنّها تُحاكي طبيعتها..
منذ عدة ايام ووسائل التواصل اصبحت مدعاة للسخرية وتصدعت رؤوسنا، فأختلفنا حول الملك والزعيم ، والجمهورية والملكية، وفيصل وعبد الكريم ( المقتولَينِ ظُلماً ) ..
، وحتى في الموت اختلاف ونقمة وخصام .. وعجباً لنا ألا يرعبنا الموت ، فمدى الحقد الذي يصل الى لغة الدم هو لعنة ابتلى بها جُهلاء القوم ، فالذي أوشى على ( جيفارا ) كان لايقرأ ولا يكتب وعندما سُئل قال أن ارضه وحيواناته قد تضررت من كفاح جيفارا، ،
والذي قتل ( بناظير بوتو ) ادلى بان أفكارها كافرة وعندما سُئل ظهر لايقرأ ولا يكتب ،،
والذي حاول اغتيال ( نجيب محفوظ ) عندما سُئل قال إن رواياته تدعو للمعصية والكفر فقال له القاضي ؛هل قرأت رواياته فكان لايقرأ ولا يكتب ، ،
والذي قتل الدكتور ( علي شريعتي ) أدلى بأن مؤلفاته تدعو الى التمرد على الدين والمذهب ثم ظهر أنه لايقرأ ولا يكتب ،،
والذي قتل الدكتور ( وائل الشهيد وزوجته ) مابين ذي قار وميسان كان لايقرأ ولا يكتب ولايفقه شيء عن القانون ولكنه عندما سُئل أدلى بأنهم خارجين عن القانون ..
مالنا والملك والزعيم .. وتركنا من يسرق أموالنا ومنافذنا ، ومن يحتال على أحلامنا وطفولة ابنائنا التي تناهشتها الغربان وتشتتنا في المنافي .. وأمام سكوت القضاء والادعاء العام والاكاديميين ، فنحن لا نريد من قاضٍ أن يكتب لنا عن القبر والبرزخ فهذا ليس شغله ، ولكن عليه أن يفهم الناس ويوسع بمداركهم عن القانون وعن الحقوق والواجبات وأن يحكم بالعدل وان يطبق الاحكام على الجميع ، فلا أن يحكم على طفل سرق حمامة بخمسة سنوات ويفرج عن حيتان الفساد والارهاب ، وما فائدة الادعاء العام وهو ميت سريرياً .
ولا نريد من أكاديمي أو استاذ جامعي ان يكتب لنا بأنه زار مراقد الأئمة وعلى الاخرين أن يباركوا له بالقبول ، فهذا ليس عمله لأن مونتسكيو وجان جاك روسو وڤولتير وغيرهم هم من أرسوا دعائم الدول واعرق الديمقراطيات واعادوا هيبة الاوطان.
بقاء الحال سيضع الغرابيب السود من داخل وخارج العراق الذين لايفهمون غير لغة الدم في التواصل مع الآخرين .. وهذا الحال سيضعنا اليوم بأنه لا أمان أمام بنادق صدئة يحملها صبية سذج وتافهين ..
إنها خيبة الامل التي تضرب العراق في قلبه ، فهناك من يمارس الخديعة ، ليطلق رصاصة الكره في قلب الحُلم،، ثم يدفن الوطن، ويغتال دولة ، ويقتل القانون ، فهؤلاء يأكلون ما تبقى من جثة ( وطن )..
واصبحنا لانعاني من كثرة العبيد،، بل نعاني من ندرة الاحرار .. وأمسينا من بين الشعوب الاكثر صوماً وصلوات ودعاء وطقوس ، والأقلُّ صدقاً واخلاصاً ونظاماً ورحمة .. وفقراءنا تفترش الارض وتلتحف السماء، والمرأة الحرة وأم اليتامى تلفحها حرارة الشموس اللاهبة لاجل راتب تستلمه بإذلال لايسد رمقها ..
فالحكومة تنادي لمحاربة الفاسدين ، والبرلمان يكشف اوراق الفاسدين، والاحزاب تنادي بمعاقبة الفاسدين ، ، إذن أين العلة : فهل هي بالشعب القاتل لحقه وإن ارتدى ثوب الضحية.!!؟؟
فالقانون يصرخ ،، والطب يصرخ ،، والدين والمرجع يصرخ ، أن حافظوا على انفسكم ووطنكم من البلاء والوباء وهذا قمة الوفاء ،، فالحسين ع علّمنا أن نحتضن كربلاء بين أضلُعنا ،، وأن نحمل عاشوراء في قلوبنا ،، وأن نضع الحسين السبط في عقولنا ومشاعرنا سيرةً ومسيرةً ونهجا لا فلكلوراً ، فكم من سيدٍ استعبدته دناءة نفسه في كربلاء كعمر بن سعد ، وكم من عبدٍ حررته نفسه الأبية في كربلاء كالحر الرياحي..
لقد انتصرنا في معركة الارض وانهزمنا في معركة الانسان ، وكثيرون هم من يعلمون الحق ولكنهم يكتمونه حفاظاً على وظائفهم ورواتبهم وامتيازاتهم ووجاهتهم ومكانتهم، فلم يقدموا للعالم سوى الخيبة والخذلان ويظنون انهم يستحقون الحياة ، فالظلام لا يمكنه ان يطرد الظلام ، فقط النور من يفعل ذلك ، والكراهية لا يمكن ان تطرد الكراهية، فقط الحب من يستطيع فعل ذلك ..
مايريده الاعداء ان نخّون ونقتل ونقذف بعضنا بعضاً، فبالقانون وحده فقط تُبنى الاوطان ..
https://telegram.me/buratha