محمد الجاسم||
تعرضت الإنسانية الى ضربة مدمرة للنوع البشري وإنجازاته الإقتصادية والسياحية في الشرق الأوسط ، التي يشكل ميناء بيروت في لبنان ، مسرحاً عملياتياً مهماً لها،ومابين كمٍّ كبير من الإتهامات من هنا وهناك ، وبين النشاط المسعور لمواقع التواصل الإجتماعي لتوجيه الإتهام الى ح.ز.ب الله وحركة المقاومة الإسلامية ، كانت دولة الكيان الصهيوني أول من بادر لدرء شبهة الإتهام عنها و التبرّؤ من تحمل تبعات الحادث ، وكأن (مَنْ في عِبِّه طلي) ، وقد معمع الإعلام الصهيوني،بالفعل، بلسان رئيس وزراء هذا الكيان المحتل بكيل الإتهامات الى غريمه ومانعه من النوم براحة،الحزب الوحيد في الوطن العربي الذي يقض مضاجع الصهاينة منذ عشرات السنين،أما من جهة راعية هذا الكيان الولايات المتحدة فقد توافق تصريحان أحدهما لرئيسهم الخرف والآخر لمسؤول رفيع في البيت الأسود بأن فاجعة بيروت "هجوم مدبر".
إن إصابة لبنان بهذا المصاب الكارثي الذي أودى بحياة أكثر من 130 مواطناً وجرح الآلاف،يضع أكثر من تساؤل حول توقيته ،الذي سبق قرار المحكمة الدولية المقررفي 7آب2020 حول نتائج التحقيق في اغتيال رفيق الحريري،وكذلك فيما لو كان هذا الحدث حلقة في سلسلة الأضرار الجسيمة لجريمة الحصار الأمريكي ومحاولة تجويع لبنان تبنّياً لمقاصد الصهاينة وأسيادهم وذيولهم من دول الخليج في تحويل الحادثة الى قضية دولية ، وكلنا يعلم أن هذا التدويل معناه إحتلال مبطن يؤدي الى إستسلام لبنان لترفع الراية البيضاء،وقد وردت مثل هذه الأفكار في بيانات منظمات مجتمع (مدني)،أحدها المنتدى العراقي لمنظمات حقوق الإنسان في برلين، وتكرر مثل هذه البيانات، يجعلنا نضع هذا المنتدى وغيره في دائرة الإتهام بالتواطؤ مع أمريكا والصهاينة، وإن كان المنتدى يسمّي نفسه (منظمة حقوق إنسان)، ولاأجد أي علاقة وربط بين منظمة حقوق الإنسان وبين الدخول كطرفٍ في سجال سياسي وأمني صِرْف.
لعله ليس بعيداً أن نتذكر الثالث والعشرين من أيلول العام2013 ، حين إحتفى الإعلام العالمي بمسرحية كان أبطالها أفراد طاقم سفينة (روسُسRHOSUS )وسيناريوعطل السفينة أمام السواحل اللبنانية والتي كان من المفترض إبحارها إلى موزنبيق،لكن بقدرة قادر إدعى الطاقم أن ثمة تهديداً باغراق السفينة والحمولة،ليتم تفتيشها وإحتجاز طاقمها في لبنان ثم إطلاق سراحهم،فيما بعد، والإحتفاظ بحمولة هائلة من مادة نترات الأمونيوم ذات الإستخدام المزدوج بين السلمي والحربي الفتاك.لقد كان مخططاً مدروساً لتصل الحمولة فيما بعد الى سوريا ولبنان لدعم الارهابيين . وكانت السفينة التي يملكها روسي و ترفع علم مولدافيا مبحرة من ميناء باتومي في جورجيا ووجهتها النهائية الى موزمبيق وعلى متنها 2750 طن من نترات الأمونيوم ،ومنذ ذلك الحادث لحين إنفجار بيروت الرهيب ،تصرفت السلطات اللبنانية بالتخزين في مخازن الميناء،بعد أن لم تتم عملية البيع في المزاد المعروفة في القانون اللبناني،فكان التخزين العشوائي المغلف بالإهمال وعدم الحرفية في التعامل مع مواد خطيرة مثل هذه ،ودون الشعور بأدنى قدر من المسؤولية في بلد يعج بالمشاكل السياسية والفساد الجم الذي يغلف كل مفاصل الحياة السياسية والتنفيذية مثل لبنان.
لايمكن فصل هذه الكارثة عن مجمل سياق الأحداث العامة التي خلفتها مخاطر الطائفية ربيبة الإستعمار الفرنسي،والدعم الخليجي لطرف ضد آخر،وتخزين هكذا كمية من مادة خطيرة لم يحدث سابقاً في لبنان ،لامن قِبَل الجيش ولا من قِبَل المقاومة ،سواء في مرفأ رئيس مثل ميناء بيروت أوحتى في مخازن عسكرية. بل أن القانون اللبناني يحرم خزن مثل هذه المواد لمدة طويلة،إنما يجب أن تباع بالمزاد للتخلص من مخاطر التخزين،ولكن سكوت الحكومة عن هذا الموضوع سنوات عديدة تقف وراءه غايات سيئة دوافعها الرئيسة الفساد وسوء المواطنة.
إنفجار2750 طن من مادة متفجرة كانت مخزونة خلافاً للمعايير الآمنة أدى الى أن لايوجد شارع في بيروت كلها لم يصبه الضرر والتدمير، إنها نترات الأمونيوم الخطرة جداً التي توصف بأنها(بلورات ملحية ) تنفجر في درجات الحرارة فوق الخمسين بقليل،وكانت في مكان لاتتوفر المساحة الكافية ولا التهوية اللازمة ،وكان وزنها الهائل وتكويم الأكياس الكبيرة والثقيلة الحاوية لها على بعضها بطريقة لاتتحمله سبباً من اسباب عدم التخزين الآمن .
تعد هذه الكارثة محاولة لتركيع لبنان الواقف بشراسة بوجه المخططات الصهيونية بفضل وجود المقاومة الإسلامية التي هي خط الدفاع الحصين ضد إبتلاع لبنان وسوريا من قبل الكيان التوسعي،وتعد هذه المقاومة الرجاء الوحيد للشعوب المستضعفة في هذه المنطقة التي لاتعول كثيراً على حكامها الفاسدين.
وَرُبَّ قَوْل..أنْفَذُ مِنْ صَوْل.
ناصرية ـ دورتموند / ألمانيا
5 آب 2020