في ٢٠٢٠/٨/٢٤ تاريخ و واقع تعامل اسرائيل مع الدول العربية أثبتَا و برهّنا لاسرائيل وللعالم ولنا ايضاً حقيقة مفادها هذه المعادلة : تمادي اسرائيل في التعدي على حقوق الفلسطينيين و العرب ،و احتلالها المزيد من أراضيهم ، والتوسّع على حساب جغرافيتهم ، و رفضها مبادراتهم أفعال تدفع السلطة الفلسطينية و بعض الحكومات العربية الى الاستسلام و التنازل عن حقوقهم و ثوابتهم لصالح اسرائيل . يمضي هذا البعض من الدول العربية في المسار الاستراتيجي المرسوم من قبل الصهيونية و واجهاتها الدولية ( امريكا و اسرائيل ) ، وهو ذات المسار الذي مضتْ فيه وخسرتْ و ندمتْ السلطة الفلسطينية بعد اتفاقيات أوسلو ،في تسعينيات القرن الماضي . بعض الدول العربية ايدتْ و دعمت قرار التطبيع الإماراتي -الاسرائيلي ، و منها مَنْ اكتفى بالقول بأنَّ " قرار الامارات قرار سيادي و لا نريد التدخل " ، وهذا ما صّرَحَ به السيد الكاظمي ،رئيس وزراء جمهورية العراق لصحيفة واشنطن بوست ، خلال زيارته في ٢٠٢٠/٨/٢٠ ،الى الولايات المتحدة الامريكية ، وحسبما نشرته جريدة رأي اليوم الإلكترونية بتاريخ ٢٠٢٠/٨/٢٣، و تصريح السيد الكاظمي كان متطابقاً لتصريح المستشار السياسي في الديوان الملكي السعودي ، و فحواه بانَّ " القرار الإماراتي قرار سيادي ، و لا نريد التدخل " . ( جريدة رأي اليوم ،ذات المصدر المذكور اعلاه ) . هذه المواقف العربية المؤيدة و الداعمة او التي ترى بأنَّ التطبيع الإماراتي الاسرائيلي هو قرار احادي و سيادي تتجاهل تاريخ و مواقف و قرارات تخص الصراع العربي الاسرائيلي ، وسبب الصراع ليس فقط احتلال فلسطين او جرائم اسرائيل ، وانّما ايدلوجيتها العنصرية و التوسعيّة و العدائية تجاه العرب دولاً وشعوباً وديناً و تاريخاً وقيمًا . هذه مواقف لا تُدرك بُعد و حجم اخطار بنيويّة و وجودية في المستقبل ، ومصدرها فتح الحدود و الأبواب لتغلغل ولهيمنة اسرائيل و أدواتها وطُرقها في تأجيج الفتن و الصراعات ، و خاصة ، في الدول ذات القوميات والطوائف المتنوعة والمتعددة كالعراق وسوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية واليمن . هذه مواقف تشجيعية و تمهيديّة لمسار التطبيع . لايزال العراق في حالة حرب مع اسرائيل ، و لا تزال اسرائيل في حالة حرب مع العراق و مُستهدفْ من قبلها في الحاضر و في المستقبل ، و الموقف القانوني والسياسي للعراق تجاه اسرائيل ثابت و واضح ، فهو كيان مُحتلْ غير شرعي ، و التعبير عن موقف العراق تجاه ايّ علاقة اسرائيلية عربية او دوليةينبغي ان يكون في هذا الإطار ، ايّ في إطار مصلحة و رؤية العراق ،لا في إطار مصلحة او رؤية أطراف العلاقة . كان يمكن للعراق ان يصرّح بموقفه تجاه اسرائيل، او يعبّر عن عدم ترحيبه بقرار التطبيع أنْ كانت الادانة التي يستحقها القرار تُشكّل حرجاً ! . تغيّر العرب أيجاباً ( كحكومات و كدول ) تجاه اسرائيل ، ولكن تغيّرت اسرائيل سلباً تجاههم و تجاه شعوبهم . و كُلّما كَبُرت اسرائيل و ازدادت بطشاً و غطرسة ، تنازلوا لها و اقتربوا علناً منها ،و تودّدوا اليها . ما نشهده ليس تطبيع وانماّ تركيع ،لانه دون مقابل و دون مبرر : ليس هو اتفاق لفك اشتباك او فصل قوات بين الامارات و اسرائيل ،حتى نسّميه باتفاق سلام . تمضي بعض الدول العربية في مسار التطبيع ، وهي و العرب ( شعوباً ودولاً ) في حالة ضعف و هوان . وتغتنمان امريكا و اسرائيل حالة ضعف و هوان العرب في ابتزازهم و استغلال وسرقة مواردهم وانتهاك سيادتهم ، و تستغل دول إقليمية حالة الضعف و الهوان في تمّدد نفوذها في البلدان العربية ، واحتلال جزء من أراضيها ، وذرائع هذه الدول الإقليمية هو الدفاع عن أمنها القومي . التطبيع سيجعل الحضور الاسرائيلي في بلدان و دول العرب علني و رسمي ،و لكن سيبقى حالة شاذة و مستهجنة من الشعوب العربية . ستكون دولنا ،بتخلفها و بضعفها ، عُرضة للارتهان بادوار دول إقليمية تحيط بنا ( ايران و تركيا ) و بكيان مُحتلْ ( اسرائيل ) ، و لا نستغرب ،في المستقبل القريب ، ان تؤول إرادات كل من تركيا و ايران ، وارادة الكيان المحتل ،الى قبول غير رسمي و غير مقصود على تقاسم ادوارهم والتنافس فيما بينهم ، وكلُ حسب ايدلوجيته و سياسته ، لضمان مصالحهم . سفير سابق /ر . المركز العربي الاوربي للسياسات و تعزيز القدرات / بروكسل
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha