الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
حملت ملحمة كربلاء الخالدة في يوم عاشوراء رسائل عديدة ومختلفة تخص المستويات العامة والخاصة بلا فرق بين الجماعات أو الافراد, ومن شأنها ان تنهض بالواقع الانساني والاسلامي على وجه أخص وتعمل على تحرير الفكر من قيود الجهل وتسلط الدنيا, وتكشف عن القدرات والامكانيات التي حملتها هذه الملحمة إلى الاجيال عبر نافذة الزمن ليتحقق لهم من بعد اتباعها سلامة الدارين وعزة لا تقاربها ذلة.
ومن بين أهم هذه الرسائل الفريدة هي أن ارادة الاصلاح لا يستلزم وجود الناصر والمعين, فعلى الانسان أن يبدأ بالإصلاح وإن تأخر نجاحه ومعالم انتصاره, فالعمل من أجل مصلحة الاسلام كدين والمجتمع ككيان ينماز بالتماسك المنبثق من ثقافة التوحيد والمستند إلى السلامة الفكرية التي لطالما أكد عليها الاسلام في سبيل الوصول إلى مقاصد الله تعالى في نشر الخلق وتكليفهم, وتبيَّن من واقعة كربلاء أن الاستجابة إلى دعوة الله تعالى ليس متاحاً للجميع فقد يحتاج الانسان إلى الكثير من الاخلاص والمناجاة للتوفيق إلى العمل بما يرضي الله تعالى, وهذا البعد ظهر واضحا في منهج أصحاب الحسين عليه السلام.
كما وكشفت ملحمة كربلاء عن سمات القائد الحقيقي, حيث قدَّم الحسين عليه السلام أهل بيته وذراري رسول الله تعالى وولده حتى قبل الآخرين, وهذا بحد ذاته يبيِّن طبيعة التعامل الانساني بين الإمام عليه السلام وبين أصحابه وإيثاره الكبير الذي زرع فيهم روح التضحية بين يديه عليه السلام؛ لذلك فان ثورة الحسين عليه السلام مع عالميتها كانت تمثل خيمة للإنسانية جمعاء, يتعلم منها الثائرون درساً في الايثار والإقدام المتفاني رغبة في الوصول إلى تحقيق رضا الله تعالى, وهذا الإقدام الحسيني كشف لجميع الافراد بأن عليهم أن لا يجعلوا بينهم وبين الله تعالى حواجب من متاع الدنيا من المال أو الجاه أو العشيرة والولد؛ بل ينبغي أن نترك الجميع من أجل الغايات النبيلة التي قد نكلَّف بها, وهذا الامر لا ينحصر بالرجال؛ بل قد يكون للمرأة دور كبير, ولقد تبيَّن من مسيرة الحسين عليه السلام إلى كربلاء أن المرأة ليست ضعيفة كما يتصور البعض؛ فهي تتمتع بالقدرات والقابليات الكبيرة وقد ساهمت بشكلٍ أو بآخر في نجاح ثورة الحسين عليه السلام.
ومما تجدر الاشارة إليه أن اجتماع الأمة على الحسين كشف عن زيف بعض الروايات الموضوعة والتي يتغنى بها الكثير من الناس, ومنها ما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يد الله مع الجماعة, فهذه ليست مطلقة فالأمة التي اجتمعت على الحسين عليه السلام كانت ظالمة, وبعيدة عن طاعة الله ورضاه, ومن المناسب أن نفهم أن رسالة عاشوراء عزَّزت من مكانة وقوة من كان مع الله تعالى حتى أن الجمهور الكبير الذي اجتمع على الباطل كان كالمعزى بين يدي أبطال الصفاء وليوث الهيجا من أصحاب الحسين عليه السلام على الرغم من قلتهم؛ إلا أنهم صنعوا المعجزات وتسابقت الكرامات بين يديهم ليستيقن الناس بأن دماء الشهداء تصنع المستحيل ولو بعد حين
https://telegram.me/buratha