المقالات

الامام الحسين في الشعر المسيحي

2873 2020-08-30

الشيخ الدكتور باسم دخيل العابدي||

 

الحسين عليه السلام أظهر مصاديق الاستثناء لحكم آية الشعراء فالشعر في مدحه عليه السلام أو رثائه من تجليات الايمان المانع من الغواية ولعل هذا الاستثناء في جهة من جهاته  نافع لغير المسلمين من الشعراء ايضا.

لقد أثارت عالمية الوجود الحسيني الوجدان الإنساني والهمته شعرا ونثرا حيث زخر التراث الأدبي العالمي بمسلات شعرية خالدة تحكي عن الحضور الحسيني المركز في رحاب الخلق والوجود .

يقول محمد جواد مغنية: (ماعرفت البشرية جمعاء من أبنائها قيل فيه من الشعر ماقيل في الحسين بن علي).

فقد تساوى في هذا الشرف المسلم والمسيحي والصابئي وتشرف به شعراء العربية والفارسية والاوردية والهندية وجميع اللغات التي كتب الشعراء مدوناتهم الشعرية بمدح سيد الشهداء أو رثائه بها   لاسيما بعد ملحمة كربلاء التي قدم فيها الامام الحسين عليه السلام انموذجا فريدا في الإلهام .

ماكتبه الشعراء المسيحيون المعاصرون من ملاحم شعرية في اهل البيت عليهم السلام لاسيما في الامام الحسين كاشف عن عالمية الامام الحسين وتجاوزه حدود الأديان وحدود الأوطان وحدود الأمم

وقد تنوعت اغراض الشعر المسيحي في تناوله للامام الحسين وحاول الشعراء المسيحيون قراءة الاوجه المتعددة في لوحة حياة الإمام عليه السلام كالمحنة والمصيبة أو التحدي والبطولة أو المشاكلة والمشابهة بالانبياء أو الاسوة والقدوة للأجيال اللاحقة.

 من ابلغ ماقيل في مصيبة  الامام الحسين ما قدمه الشاعر المسيحي بولس سلامة من صورة شعرية كثيفة الدلالة تظهر شدة الحصار على معسكر الامام الحسين حتى كأن رماح الأعداء صارت سورا يحيط بالامام ومن معه من الانصار وان رمال الصحراء العطشى سقاها دم الحسين:

(انزلوه بكربلاء وشادوا  حوله من رماحهم اسوارا.

قال ماهذه البقاع فقالوا  كربلاء فقال: ويحك دارا.

هاهنا يشرب الثرى من دمانا ويثير الجماد دمع العذارى).

وأثارت بطولة الامام الحسين الشاعر المسيحي السوري نقولا مرقص واعجبه ذلك الآباء الذي ظل مجده يطوف في افق الزمان فوجد نفسه مأخوذا  بهذه البطولة التي انبهر بها الناس جميعهم:

(تأبى البطولة أن يذل لبغيهم. من لم يكن لسوى الإله بساجد) .

وحذا الشاعر اللبناني جورج شكور حذو هؤلاء الشعراء في تأثره بالامام الحسين عليه السلام وماحدث في معركة كربلاء فأخذ يحلل نتائج معركة الطف حتى أعلن انتصار الحسين في كربلاء وهزيمة قاتليه  بتحول قبره إلى مقصد يحج إليه التواقون:

( ياكربلاء لديك الخسر منتصر  والنصر منكسر والعدل معيار .

 وفيك قبر غدت تحلو محجته. يهفو إليه من الأقطار زوار).

وكان ريمون قسيس مستعدا لفداء الحسين بنفسه لان الحسين فدى بدمه حرية الناس وكرامتهم جميعا:

(ياحسين الفداء تفديك نفسي  انت نوري المضيء يضحي ويمسي).

ويرى أدونيس أن الحسين ليس فقط لم يمت وانما الوجود كله متشبث بوجوده العظيم ؛حتى الرماح التي استقرت في جسد الحسين ؛ حتى حوافر الخيول ،؛ حتى الاحجار التي رضت بها جبهة الحسين  تزينت حين عانقت هذا الوجود الرحيم :

( وحينما استقرّت الرّماح في حشاشة الحسين

وازيَنّت بجسد الحسين

و داست الخيول كلّ نقطة في جسد

الحسين وإستلبت وقسّمت ملابس الحسين

رأيت كل حجر يحنو على الحسين

رأيت كل زهرة تنام عند كتف الحسين

رأيت كل نهر يسير في جنازة الحسين).

وجاءت مقاربات جوزيف حرب لتجعل من الامام الحسين مساوقا للانبياء السابقين في مواقف المظلومية ومشاهد النبل وان حادثة كربلاء أعادت تشكيل مصائب الأنبياء السابقين بصيغة اخرى ووجوه مختلفة.

يقول جوزيف حرب:

(  هناك تداخل حتى الذوبان بين راس المسيح بعد الصلب ورأس الحسين بعد القطع.

بين راس يوحنا على طبق ورأس الحسين على رمح .

بين خيل العطش على الصليب وملح العطش في عاشوراء .

بين زينبيات الحسين ومريمات المسيح.

وان الذين رغبوا الى اقتسام ثياب المسيح على الجلجلة هم أنفسهم الذين رغبوا إلى اقتسام ثياب الحسين في كربلاء .

وان الشهوات التي في أعماق هيرودس هي ذاتها الشهوات في أعماق يزيد .

وان الراقصة التي طالبت بقطع رأس يوحنا هي ذاتها الدولة التي طالبت بقطع رأس الحسين .

هذه الدولة إنما هي رمز قاطعي المنارات ؛ قاطعي الرؤوس ؛ راس الانبياء؛ الرائين؛ الثوار ؛ المفكرين ؛ الفلاسفة؛ الحرية؛ السنبلة؛ وراس الحمام الأبيض والزيتون المبارك).

وهنا تصح المقاربة مع ماوقع من حوادث وصور معاصرة تشابه تلك الصور فتلك الدولة التي قطعت راس يحي بن زكريا هي نفسها التي قطعت راس الامام الحسين وهي الدولة ذاتها التي حاربت الامام الخميني وقتلت الشهيد الصدر .

وهي ذاتها الدولة التي قطعت رؤوس الاطفال في حلب السورية وفجرت السيارات المفخخة في بغداد العراقية وقطعت راس الشهيد محسن حججي في ريف دمشق وقتلت السيد عباس الموسوي في بيروت اللبنانية وموسى الصدر في طرابلس الليبية.

الاهم في مسلك جوزيف حرب الشعري أنه لاينظر إلى الأمام الحسين كحالة مؤطرة بالزمان حدثت وانتهت في ظروفها المكانية والزمانية التي حدثت فيها فالتقابلية والمقاربة عند جوزيف حرب لاتنحصر في الماضي بل ترتفع و تتمدد إلى الحاضر والمستقبل؛

 فهو يوظف الحالة الحسينية كانموذج ثوري قابل للاتباع والتطبيق ويجد ان ذلك قد تجسد لدى مقاتلي حزب الله في جنوب لبنان فيقول من قصيدة له:

ان جنوب لبنان قد ظهر بالحق والشهادة لان الحسين ملأ الجنوب).

ونحن كذلك نردد مع جوزيف حرب : الحسين ملأ الجنوب.

الحسين ملا الوجود.

السلام على معلم العلماء وقبلة العظماء وامام الشهداء و ملهم الشعراء



اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك