واثق الجابري||
يَروي أحد الذين أرسلتهم أحدى الحكومات العراقية إلى دورة خارجية، لمعرفة طرق مكافحة الفساد، أنه بعد وصولهم إلى الدولة المقصودة، استقبلهم شخص من الدولة المضيفة قبل بدء بروتوكول العمل، وأوصلهم إلى قرب منزل وسط العاصمة يقاطعه كل أهل الحي الذي يسكنه، وقال بسبب الفساد، ولا أحد يتعاون معه أو يسلم عليه، ومثل هذا الشخص لو كان في بلادكم لتم تكريمه، وإذا كان مسؤولاً أو ثرياً ستجدون من يتودد إليه، ولكنه مواطن إمتنع عن تسديد الضرائب.
يكثر الحديث عن الفساد في العراق، والحملات التي تقاد ضده كثيرة، والأدوات أكثر؛ فمرة بضربه بيد من حديد، وأخرى تشكيل لجان ومجالس، أو الاستعانة بالخبرات والخبراء من الدول الأخرى، إلى حين التفكير بإستخدام العسكر لمكافحة الفساد، ويبدو أن يد الحديد قد صدئت، واللجان مُيِّعَتْ، والخارج يتحدث بمنطق يختلف عن الداخل، ولا يقاوم أمام أساليب لا يكشفها الجن، فما بالك بعسكر متدرب على حمل السلاح وتجارب مكافحة الإرهاب وحروب الشوارع.
بعد زيارة الوفد لمنزل الفاسد،تحدث المستضيف بأن الفساد ليس عدواً مباشراً نراه بالعين..ولا ينحصر بشخص حتى نوقفه، وربما تظنون أنه أخلاقي فقط، ولكن فساد القيم يفسد الإدارة، وفساد الإدارة يفسد القيم وأخلاق الفرد والعائلة ويؤدي الى إنحراف المجتمع، وما المسؤول الحكومي الفاسد، سوى فرد إنحرفت قيمه، وفضل المصلحة الفردية، على الجماعة المكلف بخدمتها، ولا أحد يتوقع الإطاحة برؤوس كبيرة بعد كل دعوى حملة لمكافحة الفساد، ولا نتوقع حيتاناً خلف القضبان، والأدهى أنهم يستفحلون بعدها الى تقوى مواقع مفصلية أعلى..ويصح المثل " جعجعة بلا طحين".
جملة الاستنتاجات التي وجدت على أرض الواقع، لا توحي بوجود جدية في محاربة الفساد أو قصور أدوات، وما هي سوى أدوات ابتزاز للفاسدين ولمن لم يفسدوا كي يسيروا على نهجهم، ويصبحوا في مواقع أكثر تأثير بالقرار الحكومي، وما تحدث به رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي، أمر مهم وهو مطلب شعبي وحاجة دولة، وهل ستستخدم يد الحديد في الضرب أم صدئت ويحتاج لأدوات أخرى، ولكنه يلوح بإستخدام القوة العسكرية لردع الفاسدين.
إن للفاسدين جيوشاً علنية وسرية وإلكترونية ووهمية، ولكن واجبات الجيوش مواجهة الجيوش النظامية، وكلما فقد المقابل نظاميته تعقدت المعركة، والقوات الأمنية يأتي دورها بعد التحقيق وإصدار أوامر القبض، وجيوش الفاسدين غير نظامية ولا مرئية، وأساليب الفساد ملتوية ومعقدة، بالإلتفاف على القوانين بطرق لا تترك أثراً، وتدخل العسكر سيفقد المؤسسة مهنيتها ويعقد مشهدها، لتتطور إلى معركة فعلية بين المؤسسات، بدل تعديل القوانين والإجراءات، وتجفيف منابع الفساد، وإزالة العواقب التي تقف بطرق محاربتها، ومعناه إعطاء عمومية فشل الأجهزة الرقابية.
رغم كثرة دعوات محاربة الفساد، لكن المصداقية مفقودة في ظل تكريم فاسدين ورافضين للنظام السياسي في مواقع أكثر أهمية، وبما أن الفساد، كالمرض العضال أو كالأجزاء الميتة في الجسد، فلابد من إستئصاله ودفنه في مقابر بعيدة، كونه يؤسس لبيئة معدية ملوثة، والواقع يشير إلى غير ذلك، حين يُدَّعى محاربة الفساد من جانب، وفي جوانب أخرى يتم تكريم فاسدين، ويبدو أن للفاسد تكريماً وترقية، ومنهم من ينتقم من كلِّ مَنْ حاول بناء أساسيات العراق ولو كان بدمائه.