عبدالزهرة الهنداوي ||
مع اشتداد براثن الازمات، تشتد وتيرة الحديث عن ضرورة وجود قطاع خاص قوي، قادر على سد الفراغ الحاصل، من جرّاء انشغال نظيره الحكومي، في البحث عن معالجات لتلك الازمات، والتي من بينها بالتأكيد، اعطاء القطاع الخاص دوره المطلوب..
ولكن المشكلة، ان كثرة الحديث عن هذا الدور وأهميته، مازال حتى اليوم، مجرّد حديث، لم يصل الى مستوى الفعل الحقيقي، فالشباب، مازالوا عازفين عن العمل في القطاع الخاص، والحصول على وظيفة في القطاع الحكومي، مافتئت، تمثل حلماً، يراود مخيلة كل شاب وشابة، بصرف النظر عن المردود المادي لهذه الوظيفة،او مستوى التحصيل العلمي للباحث عنها! يأتي ذلك، والمعلومات تشير الى وجود نحو ٨ ملايين، موظف يعملون في القطاع الخاص، بجميع مفاصله، نسبة قليلة منهم لاتتجاوز الـ٢٠٪، يحضون بضمان اجتماعي، لذلك فأن من المؤكد ان نسبة ٨٠٪ من هؤلاء الملايين الثمانية، لا ينفكوا في البحث عن وظيفة حكومية!..وهو امر محزن بطبيعة الحال، لاننا بدأنا نحصد نتائج سياسات التوظيف في القطاع العام، التي تسببت في نهاية المطاف، بتضخم وترهل الجسد الحكومي، لدرجة العجز عن تأمين الرواتب والأجور، بنحو سلس، بسبب ضيق ذات اليد!..واللافت في الأمر، ان كل هذه التحديات والصعوبات التي تواجه العاملين في القطاع الحكومي، لم توقف مسيرة الشباب في مواصلة البحث عن وظيفة عامة!..وربما كان الشباب محقّين في بحثهم هذا، نتيجة غياب الضمانات في القطاع الخاص، ما يجعلهم عرضة للإقصاء في اي لحظة، قد يكون فيها مزاح رب العمل سيئا، بعد جولة مناوشات ساخنة مع المدام في البيت!!، فيفرغ جام غضبه في رأس العاملين، من خلال الاستغناء عنهم!!، وأمر مثل هذا، ما كان له ان يحدث، ولا مسموح لأي كان تقرير مصير العاملين في القطاع الخاص، لو كانت لدينا قوانين تنظم عمل هذا القطاع، وتضمن حقوق العاملين فيه، وهنا تأتي أهمية الإشارة إلى قانون العمل والضمان الاجتماعي، الذي لم يرَ النور لحد الان، على الرغم من مضي ٣ سنوات على إعداد مسودته، ولذلك من الضروري جدا العمل على إقرار هذا القانون، في اسرع وقت ممكن، فضلا عن تفعيل باقي القوانين النافذة، فهذه القوانين من شأنها ان توفر بيئة آمنة ومستقرة، من خلال الضمانات التي ينشدها العاملون في القطاع الخاص، وفي مقدمتها، الراتب التقاعدي، الذي يعد العامل الأبرز وراء عزوف الشباب عن العمل في هذا القطاع، وبالضرورة، ان مثل هذه الضمانات ينبغي ان تسري على جميع العاملين، سواء أولئك الذين يعملون للغير او يعملون لأنفسهم، وسواء أكانت أعمالهم، منظمة، او غير منظمة.
ولذلك كله أقول، اننا لو نجحنا في توفير مثل هذه البيئة الإيجابية، عند ذاك يمكننا الحديث بصدق، عن وجود قطاع خاص حقيقي يمثل رقما مهما في المعادلة التنموية، ويوم ذاك سنشهد هجرة عكسية، من القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص، لان العمل في هذا الأخير يعد اكثر جدوى اقتصادية من سواه.