المقالات

شكسبير والصحراء العراقية وتربية البقر!!


 

د. رعد هادي جبارة☆||

 

     من عجائب الأمور أن تصدر تصريحات لشخصيات سياسية و جهات رسمية وتيارات وكتل نيابية تبنى على أمور ليست حقيقية بتاتا ،ولم تقع، بل طُرحت ك(اقتراح) ولكن لم يتم التوافق عليها لتعذّر تطبيقها ،ولم يتم التوقيع على أي وثيقة او مذكرة تفاهم او اتفاقية بشأنها ، ومع ذلك أثيرت حولها ضجة كبرى ،وصدرت بيانات وتصريحات واستنكارات لا حد ولا حصر لها، وهذا ما وجدته في خصوص موضوع المليون دونم التي زعموا --ويزعمون-- أن الحكومة العراقية قد سلمتها الى السعودية وأن الاخيرة احتلتها!! واستغلتها !!وأن تربية البقر وانتاج الألبان فيها صار يهدد العتبات المقدسة والمذهب والطائفة و الدنيا والآخرة!!

 تذكرت تمثيلية للأديب الانجليزي وليام شكسبير عنوانها (ضجة كبرى بلا سبب) وقد أنجزها هذا الكاتب العملاق حوالي العام 1598_ 1600 للميلاد ولاحقاً تم انتاجها كفيلم سينمائي في العام 1993 ميلادي تحت عنوان:

( Much Ado About Nothing‎)

من قبل المخرج  کنت برانا بلغت تكاليفه11 ملیون دولار.، و قبل ذلك كانت تلك الفكرة مثلاً في أدب العرب (جعجة بلا طحن) و العجم (هياهوي بسيار براي هيج) .

   عندما قررت التحقيق و البحث في موضوع مشروع تربية البقر و انتاج مشتقات الألبان في صحراء العراق عادت بي الذاكرة الى سنوات عملي الدبلوماسي في الدوحة فتذكرت أن قطر قامت باستئجار واستثمار مساحات واسعة ومناطق شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في السودان وعدة دول أخرى لزراعة وانتاج المحاصيل الزراعية للاستهلاك المحلي بقطر وحتى لاستهلاك مواطني السودان وتلك البلدان وتصدير الفائض منه، مما يوفر عشرات الآلاف من فرص العمل للسودانيين في تلك المزارع وينفع العباد والبلاد،وتديرها (من بعيد ) مؤسسة حصاد الغذائية ويتولى الإدارة الفعلية للمشروع  مهندسون ومديرون وكوادر وعمال من مواطني ذلك البلد صاحب الارض يستلمون رواتب مجزية بالعملة الصعبة وعندما تنتهي مدة المشروع فإن عائدية الارض للبلد نفسه والمزارع التي أقيمت تبقى للدولة الواقعة فيها وهي ليست مستعمرة ولا مملوكة لقطر .

    ولا أدري كيف اكتسبت تلك الاراضي العراقية الرملية الصحراوية الشاسعة فجأةً قيمة عليا واصبحت عزيزة وثمينة لدى البعض بعد أن كانت لعشرات بل مئات القرون صحارى جرداء مهجورة ومتروكة و منسية ولا ينبت فيها سوى العشب الشوكي الطبيعي النمو الصالح للجِمال فقط و تهبّ منها العواصف الرملية.

  ولكن بمجرد أن طُرحت "فكرة" استثمارها والاستفادة منها أصبحت قيمتها كالذهب الخالص والالماس وأصبح تأجيرها لمشروع تربية البقر (بأيدي آلاف  المواطنين العراقيين العاطلين الفقراء) يهدد المرجعية والاسلام و التشيع و العقيدة و الأمن الوطني و يستهدف التقسيم و احتلال العراق ووو.

  للأسف؛ كلها تهويلات ومبالغات وتنبؤات لم تُبنَ على أي أساس من الصحة ،وعندما تبينت الحقيقة وانتفت فكرة استثمار تلك الصحراء أُهمِلَت الصحراء مجدداً و بقيت مقفرة مهجورة بلا أي انتفاع واستثمار.

اليوم ؛ فوجئت بأن وزير الزراعة والموارد المائية محمد كريم الخفاجي كشف الحقيقة في لقاء مصور بالصوت والصورة مؤكداً بأن (فكرة) المشروع لم يكن ليتسنى تنفيذها لقلة المياه في تلك المنطقة ، وأن البلدين لم يتفقا أساساً عليها ، ولم يخطُ الجانبان خطوة واحدة لتنفيذها.

   نعم، الحذر واجب لكن ينبغي أن لا نقلب الدنيا بالصراخ و التهويل بلا سبب، دون أن نستفيد من الفرص المتاحة والامكانات المتوفرة لمصلحة نهوض اقتصاد العراق ؛ فإما أن تنتفعوا من تلك الصحراء بمستثمرين عراقيين او افسحوا المجال لمن يستطيع أن يستثمرها وينفع بها العراق والعراقيين ، حتى لو لم يكن المستثمر من ديننا و مذهبنا.

 قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع:

  [ إذا أمكنت الفرصة فانتهزها ، فإن إضاعة الفرصة غصة]

غرر الحِكَم و دُرَر الكَلِم /ج1/ص609.

☆باحث إسلامي

ودبلوماسي سابق.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك