د. جواد الهنداوي * ||
في ترويجهم لحقوق الانسان وللديمقراطية خارجُ امريكا و خارج دولهم الغربية ،أساؤا لهذه القيم ولنا، نحن شعوب المنطقة ، و الشعوب الاخرى المتمسكة بسيادتها و استقلالها و الرافضة للعمالة و للانبطاح ،
و الانبطاح مرحلة بعد العمالة ، ولا ينالها الاّ المؤمنون بقدرِهم و المجاهرون بعمالتهم ، من خلال مواقفهم و تأريخهم .
عملاء الامس ليس كعملاء اليوم . عملاء الامس مارسوها و بحياء و بسّرية ، و كان أمر كشفْ عملاتهم إمّا بقدرة القادر ،او بتقادم الزمن ،حين تفرجُ الدول عن بعض أرشيفها السّري، ولها ،في هذا الإفراج ، غاية سياسيّة .
ماركوس وولف ،رئيس جهاز الاستخبارات في ألمانيا الشرقية ، والمشرف على تدريب وتطوير اعضاء المنظمات الشيوعية و اليسارية في الدول العربية ، و بتكليف من الاتحاد السوفيتي ،كان عميلاً لاسرائيل ، و لعقود من الزمن ، ولم يُعلن عن أمره الاّ بعد تفكك الاتحاد السوفيتي .
تُخبرنا سنوات النصف الثاني من القرن السابق عن قصص اخرى مِنْ العمالة لحساب اسرائيل : فضيحة
" لافون " ،في عام ١٩٥٤ ، حين جنّدت اسرائيل مجموعة عملاء لتفجير مؤسسات امريكية و بريطانية ، من اجل تأرم العلاقة بين مصر ،في حكم جمال عبد الناصر ، وامريكا و بريطانيا .
فضيحة " العميل كوهين " في ستينيات القرن الماضي ،و الذي انتحلَ اسم كامل أمين ثابت و أقام علاقات واسعة مع مسؤولين سياسيين و عسكريين في سوريا .
عملاء اليوم هم عملاء بلا حدود ، و بالعلن ، وليس بالآحاد ، وانما بالمئات و بالجملة ، و دورهم ليس تقني ( نقلْ معلومة او صورة عن موقع او تجسس ) ، و إنما تنفيذي و سياسي و استراتيجي . ما مِنْ بلدٍ وقعَ تحت الاحتلال الاّ و عانى البلد ، وكذلك دول المنطقة ، مِنْ ظاهرة العملاء . مشهد مئات اللبنانيين وهم يهربون مع جنود الاحتلال الاسرائيلي من جنوب لبنان عام ١٩٨٢ يدّلُ على مدى اهتمام اسرائيل و اعتمادها على العملاء . كذلك الحال مع الفلسطينيين . الاغتيالات التي نفذّتها اسرائيل في فلسطين و في المنطقة وضّد علماءو قادة في العراق وفي سوريا و في ايران تتم بواسطة و بمساعدة العملاء .
لبعض عملاء اليوم دور اكبر من اغتيال قائد او عالم ، يتعداه الى اغتيال وطن و اغتيال مستقبل اجيال . ارتباط عملاء اليوم ليس بالضرورة بأسرائيل و إنما بأمريكا ولخدمة اسرائيل ، لانًّ امريكا اليوم هي وسيلة لتنفيذ سياسة اسرائيل في المنطقة ، مثلما كانت أسرائيل الوسيلة و الأداة لتنفيذ السياسة الامريكية في المنطقة ،إبان الحرب الباردة في القرن الماضي .
ما علاقة الديمقراطية بالعمالة ؟
في نهاية ديسمبر عام ١٩٩١ ، نجحَ الغرب و بمساعدة غورباتشوف وبوريس يلستن ( قادة من طراز عملاء اليوم ) ، وتحت شعار الديمقراطية و الليبرالية الاقتصادية في تفكيك الاتحاد السوفيتي ، وذلك لتحقيق الهيمنة الامريكية و التفّرد في قيادة العالم .
ذات السيناريو و باسم الديمقراطية و حقوق الانسان ومحاربة الارهاب ، تقود اسرائيل الآن ، وبمساعدة امريكا و توظيف عملاء اليوم مشروع تفكيك الدول العربية ودول المنطقة وتشتيت مجتمعاتها ، ومن الطبيعي ان يكون العراق وسوريا ولبنان في مقدمة الدول المُستهدفة ، ويليها الدول الاخرى ، وذلك من اجل الهيمنة والسيادة الاسرائيلية على المنطقة .
تحت شعار الديمقراطية سادَ في العراق نهج المحاصصة والتوافق السياسي، و كَثُرتْ المنظمات الإنسانية ، ومنظمات حقوق الانسان ومفاهيم إرادة الشعب ، و مساعدات الدول الديمقراطية الحريصة على نهضة العراق وتعزيز قدرات الدولة، وتعّددت الاتفاقيات الاستراتيجية مع امريكا و مع الناتو و مع دول اخرى . وبالرغمّ مِنْ كُل هذا العون الديمقراطي للعراق ،نشهد ضُعفْ الدولة وتعاظم دور الفساد و الأجندات الخارجية ، وباتجاه مواقف سياسية ، تدعو للاستفهام و تثير الريبة ، ويتجه العراق الآن ، وفي احسن الأحوال ، نحو الفدرلّة .
تحت غطاء الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان وما تفرضه هذه القيم من انفتاح وشفافية، أزدهرت صناعة العَمالة المتاجرة بالوطن .
https://telegram.me/buratha