منهل عبد الأمير المرشدي||
في ثمانينات القرن الماضي كنت عائدا من دورة لتعليم الكتابة على الآلة الطابعة في شارع الرشيد وقد خرجت متعبا جدا بيوم شتوي شديد البرودة متوجها لساحة الميدان عبر شارع الرشيد الذي كان جميلا في كل شيء بنظافته وجمال محلاته ورواده وكل ما فيه .
صعدت في باص مصلحة نقل الركاب الرقم 17 ذي الطابقين متوجها الى مدينة الكاظمية . أخذت مكاني في الطابق العلوي فأخذتني غفوة نوم لم أشعر الا وانا في منطقة (باب الدروازة ) بالكاظمية فنزلت مسرعا أمشي وأشعر اني فاقدا لشيء ما .
وصلت البيت واحّس اني فاقدا لشيء ما.. قدموا لي غذائي وأنا متأكد إني فاقد لسيء ما .
فجأة تذكرت حقيبتي الصغيرة وفيها مستمسكاتي شهادة الجنسية العراقية والجنسية ودفتر طوابع بريدية حيث كنت من هواة جمعها ووثيقة الدراسة المتوسطة اضافة الى مظلتي (الشمسية) .
لقد تركتها في مكاني بالباص .
قفزت مسرعا صوب محطة الباصات في الكاظمية افتش عن الباص الذي كنت فيه وسألت كل سائق وجابي ( المسؤول عن جباية الأجره) عن حاجاتي فلم اعثر عليها فنصحني احدهم بالتوجه الى مقر الدائرة في باب المعظم مقابل وزارة الدفاع والبحث هناك .
ذهبت الى بناية مقر المصلحة ودخلت عليهم فوجدت رجلا كبيرا اشيب الرأس يجلس في الإستعلامات واخبرته بإني نسيت محفظة اوراقي مع المظلة .
رحب بي الرجل أحسن ترحيب وثبت اسمي ومستمسكاتي المفقودة في سجل لديه ثم رافقني الى غرفة كبيرة في إحدى الممرات مكتوب على بابها (غرفة الأمانات ) فتح الباب ودخلنا فقال لي فتش عن أغراضك .
كانت هناك رفوف ومناضد عليها حقائب واوراق ومستمسكات ووكل شيء حتى أقلام وعوينات وقبعات رأس وغيرها .
فتشت عن حاجاتي فلم اجدها فقال لي تعال غدا أو بعد الغد وإن شاء الله تجدها هنا .
اطمأن ستجدها بالتأكيد ..
في اليوم التالي خرجت من معهد التدريب الى مقر المصلحة فأستقبلني الرجل ورافقني الى الغرفة المذكورة فوجدت محفظتي وبها كامل اوراقي ومظلتي موضوعة على المنضدة !!
لم اصدق ما رأيت وفرحت كثيرا وشكرت الرجل كثيرا فقابلني بإبتسامة وقال لي لم اقدم لك شيء هي اغراضك , فقط ارجو ان توقع لي في السجل على الإستلام .
حادثة لم انساها ولن انساها ونحن نرى اليوم باصات مصلحة نقل الركاب للإيجار فيها سواق بعضهم لا يشبه السواق وفيها (سكن) لا يشبه الجابي وإذا لم تفقد شيئا قد تفقد نفسك .
أين تلك الأمانة والنزاهة في دوائر الدولة والموظفين والمجتمع والناس أجمعين .
أين نحن وماذا تبقى منّا وماذا تبقى لنا .
أين تلك النزاهة والنظافة والبراءة والعّفة اللهم لطفك يا رب
https://telegram.me/buratha