حمزة مصطفى ||
لم تعد بنا حاجة للذهاب الى الصين للتزود بالعلم طبقا لحديث ضعيف منسوب الى النبي محمد (ص). الصين ومنذ عقود بدأت هي بقضها وقضيضها تحج الينا بأشكال وأنواع السلع والبضائع من "الخيط للمخيط". وإذا كانت آخر المعارك بين بكين وواشنطن تدور رحاها حول "هواوي", فإن كورونا المستجد نقل المعركة بين التنين الصيني "على كولة" الدكتور طه جزاع مؤلف كتاب "الصين .. مخالب التنين الناعمة" الصادر حديثا عن دار دجلة الأكاديمية ـ سلسلة دراسات إجتماعية وسياسية, وبين الولايات المتحدة الأميركية الى مستوى آخر. فالحرب التي تدور رحاها بين الأميركان والصينين منذ أول رحلة قام بها الى الصين هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي أوائل سبعينات القرن الماضي والتي مهدت لزيارة الرئيس ريشتارد نيكسون آنذاك لم تضع أوزارها بعد,بل إزدادت شراسة لاسيما في عهد الرئيس الحالي الذي انتهت ولايته دونالد ترمب.
القشة التي قصمت ظهر العلاقة بينهما كان فايروس كورونا الذي أطلق عليه ترمب "الفايروس الصيني", لكن هذا الفايروس حفز صديقنا الدكتور طه لكي يحزم حقائبه الإفتراضية ويتوجه الى الصين باحثا ومنقبا ودارسا وفاحصا حتى جاءنا بعد حين ممتطيا التنين بعد أن أصبحت مخالبه ناعمة. من هنا بدأت رحلة الدكتور الى الصين لكي يعيد إكتشافها بعد أن بدت الحاجة ماسة الى دراسة الصين من زاوية أخرى . بدأت الفكرة حين خطرت بباله كتابة سلسلة مقالات في جريدة "الزمان" الغراء. ولأن الدكتور طه أكاديمي ومختص بالفلسفة التي هي أم العلوم والتاريخ مثلما وصفها المفكر الدكتور عبد الحسين شعبان في تقديمه الجميل والمهم للكتاب, فإنه لايرضى بأنصاف الحلول أو تقديم رؤى مجتزأة.
فالصين صين "موشقى" بلد الملياري نسمة وكل مايخطر على البال. لذلك كان لابد من سلوك كل الدروب والمسالك أيا كانت المخاطر التي تحملها بصرف النظر إن كانت طريق حرير أم رحلة على تنين حتى لو كانت مخالبه ناعمة. والعنوان الذي وضعه المؤلف ينطوي على دلالات مهمة تفصح عنها المقالات المتنوعة التي غطت كامل مساحة الصين تاريخا وجغرافية, واقعا ويوتوبيا. فبلد مثل الصين لايمكن النظر اليه من زاوية واحدة أيا كانت سعتها بل هو بلد متعدد في كل شئ تاريخا وثقافة وتنوعا عرقيا ودينيا وإجتماعيا وإن كان بأيدولوجية واحدة لكن جرى تطويعها لكي تتناسب مع طبع المواطن الصيني وطبيعته والتي بدت عبرها الصين قادرة على التنافس وبقوة.
وفي ضوء ماكنا نعرفه عن الصين بدء من رحلة العراقيين الشيخ جلال الحنفي والمفكر هادي العلوي مرورا ببطة المصري محمد حسنين هيكل البكينية التي وضعت أمامه على مائدة العشاء أثناء رحلته الى آسيا في كتابه "موعد مع الشمس" بالإضافة الى آخرين كتبوا عن الصين, فإن كتاب الدكتور طه جزاع يأتي في وقت مختلف تماما جاء وصفه من قبله بأنه شبيه بالساعة ماقبل الأخيرة التي هي "الساعة الخامسة والعشرون". وإذا كان قسطينين جورجيو مبدع تلك الرواية العظيمة التي سحر بها أبناء جيلنا أنا وطه ومن شايعنا قدم مقاربة في غاية الخطورة لمرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية, فإن الدكتور طه إجترح معالجة مختلفة لطبيعة العلاقة بين أميركا والصين واللحظة الفارقة التي تمثلها موت الأرانب البيض لكن هذه المرة ليس بسبب صراع الشركات بل بسبب كورونا المستجد الذي منشأه الصين. فلربما يقود الى صراع من نمط آخر يجعلنا نترحم على أرانب قسطنين جورجيو البيضاء.
https://telegram.me/buratha