محمد الجاسم ||
إقليم كردستان العراق يتمتع بإدارة الحكم الذاتي ،شبه المستقلة تماماً عن الحكومة المركزية،ولن أسمّيَها الحكومة الفيدرالية، ومحافظات الإقليم ليست بمنأىً عن الجو العام للإحتجاجات ، التي اندلعت ضد الحكومة في بغداد،والآن ضد الحكومة المحلية في الإقليم،مع العلم أن إعلام حكومة الإقليم ينظّر الى أن تلك المحافظات الثلاث واقعياً،والأربع إدعاءً وزعماً ،غير مصادق عليه من قبل السلطات المركزية في بغداد،هي الأكثر استقراراً وأماناً من بين محافظات البلاد ، لكن ذلك لم يمنع أن يخرج الناس إلى الشوارع ليعلنوا نقمتهم على الحزبين الحاكمين في الإقليم بالإرعاب والتخويف وهذه المرة بالتجويع،حتى قُتل وجُرِحَ العديد من الأشخاص في هذه الاحتجاجات العنيفة.
كما جرت العادة بين الأنظمة الديكتاتورية وبين جماهيرها الغاضبة،على سياسات التركيع والتجويع،يتبادل الطرفان في إقليم شمال العراق ،الإتهامات باللجوء الى العنف،الجماهير تتظاهرـ وإن بطريقة عنيفة ـ للمطالبة بالرواتب والمعاشات الشهرية المحرومة منها منذ شهور،فلماذا تلجأ السلطات الأمنية لاستخدام الرصاص الحي والإعتقالات للمتظاهرين والناشطين،ووصلت وقاحة السلطة في محافظة السليمانية أن اعتقلت أعضاء سابقين في مجلس النواب،ومنعت دخول آخرين أعضاءً حاليّين،من الدخول الى المحافظة،ورجال دين وخطباء مساجد،بتهمة التحريض على العنف،وهي تهمة جاهزة تلجأ إليها الأحزاب الشمولية المتسلطة، إضافة لاستخدام الوسائل المعروفة دولياً مثل الغازات المسيلة للدموع،والهراوات والدروع اليدوية.
لقد كشفت تصريحات إعلامية ،وتقارير من أحزاب معارضة للحزبين الحاكمين في الإقليم،عن حجم الفساد المستشري في الإقليم،وعن مدى الهيمنة المالية لأعضاء في عائلة البرزاني التي تدير حكومة أربيل،حتى وصلت المعلومات الى مرحلة أن يكشف أحد أعضاء مجلس النواب العراقي أن أحد أفراد العائلة الحاكمة،يمتلك شركتين تديران بشكل يومي تفاصيل الإدخال والإخراج في منفذين حدوديين بين العراق وسوريا،وهما منفذان غير مسجلين،لا لدى سلطة الإقليم،ولا لدى الحكومة المركزية في بغداد.
ومع انكشاف حجم الفساد الهائل الذي يهيمن على النشاط الإداري والمالي والإقتصادي في الإقليم،فقد غرق قادة الحزب الديموقراطي الكردستاني وقيادته العائلية البرزانية،في وحل المشاكل المستعصية مع بغداد ،بسبب امتناعهم عن تسديد عائدات النفط المباع بغير علم شركة سومو العائدة لوزارة النفط العراقية المسؤولة عن تسويق نفط العراق الى الخارج، واستحصال عائدات ذلك وإيداعها في خزينة الدولة.وبالرغم من ضخامة حجم العائدات المالية من جراء بيع النفط وعائدات المنافذ الحدودية الرسمية وغير الرسمية،نرى ان حكومة الإقليم قد امتنعت عن صرف رواتب موظفيها،وتاجرت بأرزاق المواطنين الذين ليس لديهم سوى الراتب الشهري،بغية استخدام ذلك السلوك الغريب للضغط على حكومة بغداد،لابتزازها ونهب المزيد من اموال الشعب العراقي،التي للأسف الشديد صارت بيد الصبيان والجهلة من المستشارين.
يرى مراقبون ومنظمات حقوقية وصحافية أن حرية التعبير عن الرأي في ظل الفساد المستشري، والمنسوبية والمحسوبية للحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني،في إقليم شمال العراق،أصبحت ضرباً من ضروب الخيال،وإن إجراءات حكومة الإقليم طالما تمارسها السلطة ثمة باستقلالية تامة عن حكومة بغداد ومؤسساتها القضائية والدستورية،ولكن سرعان ما لجأت الى بغداد لصرف مبالغ تسد بها رمق المحتجين من الرواتب ،دون أن تدفع ديناراً واحداً من تراكمات الدَّيْن العراقي على الإقليم ،وبذلك تكون سلطة أربيل قد استغلت قوت الموظفين مرتين، أولاهما حين بدأت بوادر الإحتجاج السلمي،لمنع اتساعه ،والثانية حين اتسعت رقعة الإحتجاج العنيف للتخلص من تبعاته المخيفة المحتملة على مصير الحزبين العائليّين ،ما يؤشر الى بوادر خطيرة تؤدي الى تقسيم إقليم شمال العراق إلى قسمين،قسم يشمل غرب الإقليم وشماله ، تهيمن عليه عشيرة بارزاني وحزبهم الحزب الديمقراطي الكردستاني،وقسم آخر يشمل شرق الإقليم المحاذي للحدود مع الجارة إيران تسوده عشيرة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني،وعائلته التي تتحكم حالياً بالاتحاد الوطني الكردستاني. إن اشد ما نخشاه على أبناء محافظات الشمال من الكردالعراقيين ،مايتوقع حصوله ـ لاسمح الله ـ كالذي وقع في العام 1994 حين اندلعت ما سُمِّيَتْ في وقتها "حرب الأشقاء" بين المجموعتين ، والتي انتهت بعد سنوات في 31 آب 1996 حين استعان الأشقاء بالأعداء وحسمت دبابات ألوية الحرس الجمهوري الصدامي المدرعة المعركة لصالح مسعود البرزاني،وبجهود مادلين أولبرايت والإدارة الأمريكية تم تشكيل إقليم كردستان العراق كحالِ أمرٍ واقع.
ورُبَّ قَوْل..أنْفَذُ مِنْ صَوْل.
ناصرية ـ دورتموند/ألمانيا
13 كانون أول 2020
https://telegram.me/buratha