المقالات

لماذا فشلت الدولة العراقية؟ (٤)


 

محمد عبد الجبار الشبوط||

 

على مدى ١٠٠ عام مضت فشلت الدولة العراقية في توفير حياة كريمة لمواطنيها؛ فشلت في ان تكون دولة حضارية حديثة قادرة على تأمين السعادة للناس، وبالتالي الفوز برضاهم وقبولهم. صحيح، جرت محاولات لتحقيق شيء من هذا في النصف الاول من عمر الدولة، فيما يسميه الباحث اللبناني غسان سلامة باللحظة الليبرالية، وهي فترة الحكم الملكي، وصحيح ان احزابا سياسية نشأت ورفع بعضها شعارات "وطن حر وشعب سعيد"، او "الوحدة والحرية والاشتراكية" او "الدولة الاسلامية"، او حتى "الديمقراطية"، لكن كل تلك المحاولات والتجارب فشلت في اقامة الدولة الحضارية الحديثة، بما تعنيه من توفير الحياة الكريمة، والعدل، والحرية، والمساواة، والامن، والسلام، والتنمية الاقتصادية وغير ذلك.

ولما كان النجاح في اقامة الدولة الحضارية الحديثة هو ثمرة المركب الحضاري ومنظومة القيم العليا الحافة به، فان الفشل في اقامة الدولة الحضارية الحديثة يعود في نهاية المطاف الى الخلل او الاختلالات في هذا المركب الحضاري وقيمه العليا.

وصحيح انه جرت محاولات للاصلاح، وتنادت اصوات من اجل تحقيقه، لكنها فشلت في تحقيق ذلك لانها كانت تتحرك في غير دائرة المركب الحضاري القادر تحقيق الاصلاح وبناء الدولة الحضارية الحديثة.

وكان الخلل الاساسي متمثلا في العنصر الاول من عناصر الدولة، وهو الناس، او الشعب، او المواطن. وقد انتبه الملك فيصل الاول الى هذا الخلل حين تحدث في وقت مبكر عن غياب الوحدة الوطنية على اساس المواطنة في الدولة التي كان يرأسُها. كما تحدث اخرون، مثل العالم الاجتماعي على الوردي، عن اختلالات اخرى مثل التناشز الاجتماعي، وسيطرة قيم البداوة والريف، والتقاليد الموروثة، والفهم السلبي المتخلف للدين رغم تأثيره الكبير على سلوك الناس ومنظومة علاقات الناس فيما بينهم،   بما في ذلك العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، وعلاقاتهم بالطبيعة، والخرافات، والامية، وغير ذلك.

ومع ان الله حبا العراق بطبيعة غنية متعددة الثروات، وبخاصة النفط والمياه والارض الصالحة للزراعة، الا ان الاختلالات في علاقة الانسان بالطبيعة، وفي السياسات الاقتصادية، وهدر الثروة في المغامرات العسكرية الخارجية، وخاصة الحرب مع ايران واحتلال الكويت، وسوء التخطيط الاقتصادي او السياسات الاقتصادية، حرم العراقيين من فرصة الاستفادة من الثروات الطبيعية في تحقيق السعادة والرفاهية في اطار الدولة الحضارية الحديثة.

وكذلك الاختلالات في الحياة السياسية، التي تمثلت بشكل اساسي في انحدار الدولة العراقية نحو الحكم العسكري، ثم الحكم الدكتاتوري الحزبي او الفردي، والاضطهاد والتمييز الطائفي والقومي، ثم المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية، وفشل الاحزاب السياسية في اقامة حياة حزبية سليمة، فانحدرت صوب الصراعات المسلحة وغير الحضارية، وظهرت احزاب ايديولوجية متزمتة او متشددة مثل حزب البعث وداعش، وتشتت المجتمع في ظل تعددية حزبية مفرطة، وظهور احزاب او تنظيمات مسلحة، الامر الذي اعاق التطور الديمقراطي للبلد، ولم تظهر احزاب وطنية شاملة ذات شأن في تغيير المجتمع وبناء الدولة.

وتمثل الاختلال الرئيسي في منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري ذاتها، حيث سادت قيم متخلفة تعود الى مرحلة ما قبل الدولة، فضلا عن مرحلة الدولة الحضارية الحديثة، مقابل غياب القيم الحضارية الحديثة. ولئن كان مفهوما سيادة القيم المتخلفة في عصر الاقطاع والعلاقات العشائرية، فانه من المستغرب ان يكرس حزب علماني، كحزب البعث، هذه القيم المتخلفة ويجعلها طريقا للسيطرة والحكم، وخاصة في عهد صدام حسين الذي عمل على نشر القيم المتخلفة وفرض حصارا ثقافيا على المجتمع العراقي، مهد في النهاية  لظهور تنظيمات اسلامية متشددة ومتخلفة مثل داعش والقاعدة وغيرهما من المنظمات الدينية المتطرفة، مقابل الغياب التام للثقافة السياسية الديمقراطية الحديثة.

يتبع

 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (المقالات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك