ابراهيم العبادي||
ثلاث نزعات يتوقع لها ان تكون عناوين رئيسة في الصراع السياسي والانتخابي القادم .
النزعة الاولى مابعد الاسلاموية ،والنزعة الثانية الشعبوية ،والنزعة الثالثة الوطنية العراقية .
ففيما تتسارع الخطى نحو جعل الانتخابات القادمة مفصلا سياسيا حاسما ، وتسعى قوى لأعادة مأسسة السلطة في العراق من جديد عبر تجديد وجوه الفاعلين السياسيين ،تشعر قوى مضادة انها مستهدفة ، وعليها الدفاع عن وجودها ،بخوض معركة انتخابية كاملة العيار والاسلحة ،وأول هذه الاسلحة سيكون الاعلام وخطاباته وشعاراته .
ولان الاعلام بطبيعته يسعى لبناء اتجاهات الرأي العام وتأطيرها ،فان القضايا المركزية التي سيركز عليها اطراف السباق الانتخابي ستعكس ذهنية التيارات وايديولوجياتها ومناهج مقاربتها لهذه القضايا مع التركيز على عناصر الشد العاطفي والوجداني .
يموج المجتمع العراقي بحراكات سياسية كبيرة ، وقد اججت الاحتجاجات اسئلة كثيرة لم تكن تسائل السلطات فحسب ،بل اطلقت نقاشا جوانيا داخليا ظل بعضه مكبوتا وظهر بعضه الى العلن عن جدوى الخطابات الكبيرة والسرديات الاكبر ، اذا لم تكن القوى والنخب التي تنتمي اليها قادرة على استيعاب تطلعات الناس وحل مشكلاتهم الاقتصادية والامنية والاجتماعية .
في سياق هذه الاسئلة ،يتمظهر الصراع السياسي تحت مظلة تيارات ثلاث بنزعاتها مابعد الاسلاموية والشعبوية والوطنية ،وهذه التيارات هي التي ستخوض الانتخابات لكن بمسمياتها القديمة والجديدة ، فالمتنافسون سيدخلون صراع وجود لتأكيد حضورهم في هيكلية السلطة ، وتمثيل جزء من الشارع الذي اضطرب كثيرا على وقع هزات سياسية وازمات اقتصادية وصراع محاور اقليمية ودولية ،علاوة على اخفاق القوى التي امسكت السلطة في ادارة الدولة بمستوى من المقبولية والمعقولية يؤهلها للاستمرار .
تتمثل مابعد الاسلاموية بأعادة انتاج (المشروع الاسلامي العراقي ) بتلاوينه المختلفة مذهبيا وحزبيا ليتلائم مع النقد العنيف الذي تعرض له (الاسلامويون )في سعيهم لأسلمة الحياة وفق منظوراتهم الايديولوجية ، اذ لم تعد الاسلمة وبرنامجها قادرة على تلبية متطلبات الحياة اليومية للجمهور ،فقد استنفذ الشعار طاقته ،والمشروع قدرته على الاقناع ،ولم يعد شعار الاسلام هو الحل كافيا لمقاربة ازمات ومشكلات الدولة والمجتمع ،ولم يجسد دعاة المشروع مهارات وقدرات كافية للابقاء على الحماسة وتوظيف الجهود لادامة زخم (معركة الاسلمة) كما كانوا يتخيلونها ،بالاجمال عانت قوى الاسلام السياسي معاناة شديدة في اثبات جدارة سلطوية وحلول مبتكرة للأزمات المتلاحقة ،وصار اقناع الجمهور تحديا هائلا يستدعي اعادة فحص الادوات والاساليب وتكوين نخب جديدة بمفاهيم ورؤى جديدة على ضوء النقد الداخلي والخارجي الذي تعرضت له تجارب الاسلاميين عموما ،ومن هنا يأتي الحديث عن (مابعد الاسلاموية) ليكون تعبيرا عن فكر جديد ومرحلة جديدة!! ،يصبح فيها التدين والدعوة الى المشروع الاسلامي متمايزا كثيرا عن الماضي والحاضر ،تمايزا تمليه مرحلة الانفضاض والنقد والرفض ،وهذه النزعة افترض (انا شخصيا )انها ستكون حاضرة في الانتخابات بصيغ متعددة ،الى جانب القوى الشعبوية التي ستملأ الفضاء السياسي باساليبها في تسطيح الوعي وتزييف السجالات الفكرية والعبور على القضايا الكبرى بلوم الاخرين واستمرار خطابات الكراهية وتنميط الاعداء وتحميل الأخر المسؤولية وتنزيه الذات ،اما قضايا الفشل والفساد وأزدراء الدولة ومنافستها وتعويم سلطاتها ومؤسساتها فانها متروكة بلا جواب لان المخفي غير المعلن ،ولان ساعة الاصلاح لم تدق في عقول واسماع سدنة هذا المشروع .
يبقى تيار الوطنية العراقية باحثا عن حيز في هذه الانتخابات ايضا ،فهو تيار وليد لكنه قوي بمحاججاته واستيعابه لتجربة السنين الماضية ،انه تيار لايريد ان يحول معركة بناء الدولة الى صراع اسلاميين وعلمانيين ،ولا صراع قوميين وأمميين ،او صراع قوى محلية ضد قوى خارجية ،فقد استهلكت الصراعات الايديولوجية والاحلام الثورية والمشاريع الطوباوية مائة عام من عمر الدولة ،وحان الان موعد (وضع) حصاد التجارب المريرة موضع تطبيق ليكون التركيز على بناء العراق ودولة العراقيين بلا صراع ايديولوجيات ولا احلام طوباوية ،انها مراهنة خطيرة على وعي لم ينجز بناء نفسه بعد .
ـــــ
https://telegram.me/buratha