محمد الجاسم ||
بعد سقوط النظام الديكتاتوري في العراق،استطاع العراقيون أن يستفيدوا من أجواء الحرية المتاحة ويوثقوا الأرشيف الدموي لتعامل النظام السابق مع المواطن العراقي،ويفضحوا الممارسات القمعية التي كانت تقوم بها دوائره اللاأمنية بحق المتهمين والأبرياء على السواء.لكن المؤسف والصادم للرأي العام والمشهد القانوني للعدالة في العراق المعاصر،أن تجري اعتقالات بطريقة مخالفة للقانون ويودع الموقوفون دون مذكرات قبض قضائية،في سجن خاص.
لأول مرة في عراق الديموقراطية،تنبري اللجنة البرلمانية المشكَّلة بالأمر البرلماني المرقم(148) في السابع عشر من ديسمبرالماضي، بتسجيل وإدانة عدد من الإنتهاكات الصارخة لحقوق المعتقلين،بطريقة مخالفة تماماً للدستور ومواده القانونية، كتعرض بعض المتَّهمين الى الإستجواب القسري،دون أن يتم عرضهم على قاضٍ مختص، وقد بلغ بالبعض منهم الإنتظار أكثر من عشرين يوماً،دون أن يروا قاضياً أو محامياً.كما تعرّض البعض الآخر الى التعذيب الجسدي،والإستنطاق العنيف،أمام محققين سرّيّين،يتعاملون مع محكمة خاصة ،يُصار الى إحالة الدعاوى إليها بأمر حصري من رئيس الوزراء،ضمن اللجنة التي سميت في الإعلام (لجنة الفريق أبو رغيف)،وهذا مايذكِّرنا بالمحاكم الخاصة في زمن الطاغية ومحكمة الأمن العامة ومحكمة المخابرات ومحكمة الثورة وغيرها من المسمّيات الوهمية للعدالة المزيفة، آنذاك.
إن تشكيل لجان تحقيقية سرية، وما تؤول اليه تفاعلات القضايا المحالة الى محاكم خاصة، يتقاطع تماماً مع الدستور ومواده المنظِّمة للتشكيلات القضائية المتخصِّصة في هذا المجال،كمحاكم التحقيق في قضايا النزاهة وغسل الأموال والجريمة الإقتصادية.
كما أوضحت اللجنة البرلمانية في بيانها الصادم ،آنف الذكر، تعرّض المتّهمين للتعذيب أثناء التوقيف ومنع اللجنة البرلمانية لقاءهم والتعرف إلى ظروف توقيفهم على انفراد .
تندرج هذه الخطوة من قبل رئيس الحكومة ضمن الإجراءات الإستعراضية في مجال محاربة الفساد والمفسدين،والدليل على ذلك أن اللجنة الخاصة قد استهدفت عدداً قليلاً ،محدوداً ومحدَّداً، من الأسماء،لغايات غير واضحة المعالم،في حين تم التغاضي عن مشبوهين كبار من الفاسدين،من السياسيين والموظفين التنفيذيين وبضمنهم وزراء،تدور حولهم الشبهات،في مجالات المنافذ الحدودية والإتصالات والنفط والتجارة والتجهيز والتسليح والتموين والنقل في الجيش والداخلية وغيرها.
لم تأخذ الحكومة على عاتقها الحلول المقترحة للخلاص من الفساد،منذ العام2003 ،حيث تراكمت عوائد وفوائد ومطامع الأحزاب السياسية والمواطنين من التجار المتعاونين مع اللجان الإقتصادية للأحزاب الكلاسيكية،وخَصَصْتُ بالذكر (الكلاسيكية) لأنني أعرف أن حزباً حديثاً ولديه ذراع مجاهد في الحشد الشعبي،قد سرّح من مقرِّه الوحيد في العراق(في بغداد)،عدداً من الموظفين والخدميين،كما أغلق الجريدة الورقية الناطقة بإسمه،لا لسبب، إلا لكونه ليس لديه لجنة اقتصادية،ولايتمكن من تغطية نفقات المقر،نظراً لنظافة ذات اليد التي يتمتعون بها.
إن النظام السياسي القائم على المحاصصة والعائلية والبِطانات،ووكلاء العمولات والسماسرة، وتغوُّل الحكومة،وعدم اكتراثها بالسلطتين التشريعية والقضائية ، قد أفضى في الأشهر الثلاثة الأخيرة الى اكتشاف ثمانية وأربعين ألف موظف فضائي في ست وزارات عراقية فقط،وقِسْ عزيزي القارئ على ذلك.
وَرُبَّ قَوْل..أنْفَذُ مِنْ صَوْل
ناصرية ـ دورتموند/ألمانيا
https://telegram.me/buratha