ابراهيم العبادي ||
تسود في العراق حالة خوف وترقب من المستقبل القريب ،وتسجل مؤشرات السعادة والرضا مستويات متدنية جدا ،ويعيش الرأي العام العراقي حالة انقسام وخصام وسجالات على مدار الساعة ، بعضها يعود في جذوره الى مزاج سياسي تشكل على امتداد التاريخ ، مطبوع بطابع الاختلاف والتعدد ، ينتهي غالبا الى صراع عنيف او مضمر بين سلطة قاهرة ومعارضة مقهورة ،أو يتم (تنفيس)هذه الاحتقانات (كما في العهد الملكي1921-1958) بجدالات يومية على مقاعد المقاهي ومقالات الصحف الحزبية وتظاهرات الشارع الصاخبة .
عاش العراق بعدها عهودا فرضت فيها الاحزاب السياسية خطابها المؤدلج على الشارع بقوة السلطة وامتلاك وسائل الاعلام وأساليب السيطرة على الفضاء العام ،ثم دخل العراق في عهود الظلامية البعثية والاختناق بالرأي الى حد الشيزوفرينيا واخلاق الاذعان والامتثال والمسايرة (1968-2003)،لينفلت الحال بعد سقوط النظام وتظهر جميع المكبوتات مرة واحدة ،فمامن خطوط حمر ولامسؤولية اجتماعية ولارقابة ذاتية تمنع من التعبير عن الذات الطائفية او القومية او الحزبية في فضاء مفتوح وليبرالي زائدا عن حدوده ، زادته الصراعات على السلطة ، والارهاب ثم العنف ، والمزايدة السياسية والاستقطاب والفساد، واخيرا المحاصصة والتدخلات الاجنبية والمال السياسي .
ورغم فترات محدودة هدأ فيها الشارع العراقي نسبيا بسبب نوازل كبرى ،كنازلة احتلال داعش لمناطق العراق الوسطى والغربية ،واستشعار القوى المتخاصمة لخطورة التهديد ،لفترة لم تدم طويلا ،عاد الشارع العراقي لينقسم مجددا بسبب الخطاب السياسي والاعلامي ، ومنابر التوجيه ووسائل التواصل الاجتماعي ... وبات الانسان العراقي مستقطبا بين اتجاهين سياسيين ،اما ان تدخل تحت مظلة احدهما ! او انت مصنف في الاتجاه الاخر ،والتصنيف هنا تصنيف ولاء أو معارضة ، مع او ضد ، ولايشفع ان تحمل جزء من رؤية احد الاتجاهين ،فقد عدنا الى منطق الثنائيات ، فان لم تكن تفكر وترى الامور بمسطرة احد الاتجاهين فانت اذن مع الاتجاه المضاد ،لقد تقسم الراي العام العراقي فعليا الى معسكرين ويراد ان يستمر هذا التقسيم لغاية يوم الانتخابات المزمع اجراؤها في العاشر من تشرين الاول 2021، ومن المحتمل ان يشهد الشارع تسخينا وتصعيدا وتعارضا في التحليل والرؤى والمناهج ،لتوجيه الراي العام والتأثير في سايكولوجيا الفرد لصياغة دوافعه الانتخابية .
في حمأة هذا الاستقطاب اليومي والذي شهدنا ابرز تمثلاته بعد حادثي الاعتدائين الارهابيين في ساحة الطيران يوم 21-1-2012 والهجوم الارهابي في شرق صلاح الدين يوم 23 من الشهر نفسه ،يتوقع ان ينام العراقيون على قنبلة كلامية ليصحوا على متفجرة اعلامية ، فكل خبر او تغريدة او صورة باتت مدخلا لتعبئة اعلامية مخططة ،وتمارس غرف اعلامية وسياسية محترفة ادارة الرأي العام عبر التذكير المستمر ب(مفاتيح )شعورية ومكبوتات وغرائز ، لصياغة خطاب مسطح ينجح في اثارة مشاعر (العامة) ، ويطمس معالم التفكير المغاير بالقضايا الجوهرية التي تشغل بال الانسان العراقي ،فمايقلق العراقيين حاليا هو مستويات المعيشة ونوعية الخدمات ، والامن اليومي وادارة موارد البلاد والعيش بسلام ،وربما يفكر المواطن العادي بمرتبة اعلى ، فيحاول ان يحدد لنفسه رأيا مبكرا بالانتخابات ،فيجد نفسه بين خيارين (تشريني )أو مضاد للتشرينيين ، ديني أو علماني ،امريكي او ايراني ،والحال ان منطق الثنائيات هذه لن يقود الى انتخابات تكون مفيدة لعبور الازمات أو لاصلاح احوال البلاد جزئيا فليس هناك من يطمع بأكثر من اصلاح جزئي ،لكن حتى هذه الانتخابات ستصبح مورد نزاع في تفاصيل تفاصيلها ،من قبيل لماذا نستعين بالامم المتحدة لمراقبة الانتخابات ؟ولماذا نسمح بتدخل الأخرين في ترتيب شؤوننا السياسية ؟ السنا راشدين حتى نطلب ترشيد حياتنا السياسية وشؤننا السلطوية ؟ ،وبالمقابل سترى من يركز على السلاح المنفلت ، واحتمالات التزوير ، والتلاعب والتخويف والضغط على الناخبين ، والتلاعب بمشاعرهم وقرارهم باساليب القهر الدعائي والتحشيد المنطلق من الهويات والغرائز .
نعيش فعلا صراعا على الراي العام سيكون خطيرا ومضرا ان لم يقو الخطاب الاخر ،خطاب العقلانية والمصلحة العراقية بعيدا عن اجندات المتخاصمين .
https://telegram.me/buratha