عباس سرحان ||
قبل نحو اربعين عاما، وفي مثل هذه الايام كانت إيران تموج على بحر من القلق، فالشاه الذي" أصيب بالصداع الدائم" بعد أن تعالت أصوات الثوار من حوله وعجز عن إسكاتها، اضطر الى مغادرة البلاد طالبا الراحة بعيدا عن قصوره وكل ما شيده من ترف طوال فترة حكمه!.
وربما أدرك أنها رحلته الأخيرة التي لن يعود بعدها إلى طهران، فشابور بختيار الذي عينه رئيسا للحكومة لم يتمكن من تهدئة الشارع الإيراني الثائر على الرغم من بعض الاصلاحات التي أمر بها.
كانت عيون الايرانيين تتطلع بشوق الى قرية نوفل لوشاتو في ضواحي باريس، حيث يقيم رجل ناهز الثمانين من عمره في تلك المدينة الباردة، ولم تكن كل وعود الحكومة بالإصلاح قادرة على تهدئتهم.
وبموقف لافت وغير مسبوق قرر الثائر روح الله الخميني العودة إلى طهران، لم تكن الأوضاع قد استتبت له تماما، فالجيش بل ومعظم قوى الأمن كانت رسميا تحت إمرة الحكومة المعينة من قبل الشاه.
والشارع الغاضب يموج بمشاعر الاضطراب وأمريكا والغرب عموما يعملون بجد لركوب الثورة أو حرفها عن مسارها، وكانت كل الخيارات مطروحة حتى استهداف قادة الثورة وكما حصل لاحقا.
ومع كل تلك المخاطر وبشجاعة وتصميم نادرين يقرر الإمام الخميني العودة الى طهران، فيستقبله ملايين الايرانيين ويهاجم حكومة بختيار ويتعهد بتشكيل حكومة باسم الشعب وفي غضون عشرة أيام من عودته كان له ما أراد.
هذا الثائر الفريد من نوعه، لم يكن طالب سلطة ولم يعرها أي اهتمام، وجاءته الدنيا مذعنة بعد أن لوى عنقها. لكنه قذف بها بعيدا وأسس دولة أرادها ملاذا ونصيرا للمظلومين وخصما لدودا لقوى الشر في العالم.
عجيب هذا الثائر، فيه عطر من صدر الإسلام، وعزم من المؤمنين الأوائل، وإصرار على تحقيق ما آمن به من أهداف لم يسبقه إليه أحد في عصرنا الحاضر.
وعجائب الثورة الخمينية كثيرة، فهي لم تحظ بالدعم الدولي ولا مرة واحدة بل أن العالم كله وقف ضدها، واستهدفها بالحروب والحصار والحملات الاعلامية المتواصلة، وقد شقّت طريقها كسفينة مبحرة وسط بحر من النيران طوال أربعين عاما.
فبعد أشهر من انتصارها استهدفها أعداؤها بإشعال حرب نيابة غير مبررة بين ايران والعراق، ودعموا صدام بالمال والاعلام والمواقف الدولية وسعوا لوئد هذا الكائن المتمرد على قوانين الطغاة في مهده.
وفرضوا حصارا اقتصاديا استمر 40 عاما طال ايران وقياداتها ومصانعها وعلماءها وكل ما فيها ومن فيها. لكن الدولة الثورية ما زالت تمد جذورها في أعماق الأرض وتطلق علومها نحو الفضاء.
أما آن لكل أعداء الثورة الإيرانية أن يدركوا أن مساعيهم للإطاحة بها لم تعد نافعة وأن هذه الثورة التي أصبحت دولة باتت تداعب اليورانيوم المخصب وقد تجعل منه في اللحظة التي تشاء قوة ردع رهيبة!.
ـــــــ
https://telegram.me/buratha