المقالات

الى صديقي العلماني حديثاً (...) رداً على رسالتك

1533 2021-03-25

 

د. علي المؤمن ||

 

    لا أعتقد أنك تختلف معي في أن مقولاتك ضد المنظومة الإجتماعية الدينية الشيعية، أو ماتغلفه أحيانا بالمصطلح الخاطيء "الإسلام السياسي" هو تكرار لمقولات ومفاهيم متهافتة قديمة؛ ظل يكررها المفكرون العرب والمشرقيون المهووسون بمناهج الفكر الأوربي والماركسي؛ أمثال: شبلي شميل وفرح انطون وأحمد لطفي السيد وميشيل عفلق وزكي الأرسوزي وفؤاد زكريا وصادق جلال العظم ومراد وهبة ومحمد أركون وفرج فوده وعزيز العظمة وطيب تيزيني وجورج طرابيشي وغيرهم من منظري ماتسمونه أنتم بمشروع (التنوير) الإجتماعي العلماني المعاصر، ثم أسبغت عليها أدبيات الشيوعيين العرب والبعثيين مسحة ايديولوجية فلسفية اجتماعية محلية. والحقيقة أن فكر العلمانيين العرب والمشرقيين هو ترجمات للعنف الفكري الذي مارسه مفكرو ماعرف بعصر النهضة الاوربية ضد الكنيسة والفكر الديني؛ بدءاً بدنس ديدرو وجون لوك وفولتير  و سبينوزا  وجيمس ماديسون، وانتهاءً  بخلفائهم جورج جاكوب وبويسون  وبرتراند رسل. و  كان يطبق هذه الأفكار في أنظمة بلداننا المسلمة طغاة مؤسسون؛ أمثال أتاتورك ورضا بهلوي وسوكارنو والحبيب بورقيبة.       

   وفي الوقت نفسه تتماهي أطروحاتك مع المشاكسات الفكرية لليسار الديني الايراني في الخمسينات والستينات والسبعينات؛ لاسيما أفكار علي شريعتي في كتابه الرديء "التشيع العلوي والتشيع الصفوي" وغيره، والتي تخلط بين الفقهاء ووعاظ السلاطين، وتساوي بين عالم الدين والروزخون، وتحمِّل الفقيه الشيعي وزر الشيخ الوهابي. وبالرغم من أن أفكار علي شريعتي ( التنويرية) الستينية والسبعينية صارت (خرده) في ايران، وتبخرت منذ ربع قرن تقريباً؛ لكنك كغيرك من (التنويريين) الشيعة العراقيين؛ حوّلتم هذه الأفكار الى تابوهات مقدسة؛ ليس حباً بشريعتي؛ ولكن بغضاً بالتيارات الدينية. وبات هذا البغض جزءاً من أدبيات ماتسمونه "التيار المدني" أو "الدولة المدنية" أو "عقلنة الحكم" أو "فصل العقيدة عن الدولة"، وهي صيغ تقليدية من النظم الفكرية العلمانية الغربية التي ترددها قواعدكم دون وعي بمفاهيمها ودون معرفة بجذورها غالباً. ولذلك فهي ليست مشكلة قواعدكم البريئة فكرياً؛ بل مشكلتكم أنتم كمثقفين علمانيين؛ لأنكم تعلمون جيداً أن الفلسفات الإجتماعية العلمانية لايمكن أن تحكم واقع البلدان الإسلامية؛ لأنها تتعارض مع المنظومات الدينية الإجتماعية للمسلمين، ولاسيما الشيعة.

     أنت تتصور أنك من خلال الدعاية المضادة الرامية الى هدم المنظومة الدينية الإجتماعية الشيعية؛ تساهم في توعية المجتمع الشيعي، وفي إنقاذه من سطوة الفقهاء ومن يحتمي بهم من سياسيين إسلاميين كما تقول؛ لكنك على العكس؛ تساهم في تحفيز الآخر الطائفي ضد الشيعة، وفي توفير المسوغات الفكرية والدعائية لتكفير الشيعة وذبحهم من الخصم التكفيري. كما أنك تفتح الأبواب على مصراعيها لدخول التكفيريين الى بيوت الشيعة، وتقدم لهم مادة جاهزة لضرب الشيعة في مقتل. وأنا أعلم أنك لاتقصد كل هذا، ولا تحمل نوايا الإضرار بمجتمعك وأبناء جلدتك؛ لأني أعرف تاريخك وخلفيات دعواتك؛ ولكن مآل أفكارك ودعواتك هو تكفير الشيعة وذبحهم دون أدنى شك.

   أنت تتحدث عن الأمة العراقية وكأنها تعيش منعزلة في جزيرة نائية، وأن بإمكانها رسم مصيرها لوحدها؛ دون أية عقبات موضوعية وموانع مستحيلة؛ كما هو الحال مع كل أمم العالم المؤثرة والمتأثرة، ولا تضع في حسبانك (بيئة الأمة) أو (بيئة المكون الإجتماعي) وتأثيراتها وضغوطاتها، وهذه البيئة هي (الوسط الموضوعي) الذي يعيش فيه المكون الشيعي. وبالتالي لاعلاقة للفقهاء و( سطوتهم) بايجاد هذا الوسط؛ بل أن الفقهاء وشيوخ العشائر وقادة الأحزاب يعيشون أيضاً تحت وطاة هذا الوسط. وبما أن الشيعة يعيشون ـ كغيرهم ـ وفق قوانين الفيزياء الإجتماعية ( رد الفعل الإجتماعي) من جهة، وقوانين علم النفس الإجتماعي (الموروث النفسي والعقل الجمعي) من جهة اخرى؛ فإن ضغوطات الوسط الموضوعي التي تجر قسراً الى تطبيق هذه القوانين؛ تزيد من لجوء الشيعة يوماً بعد آخر ـ وبقوة أكبرـ الى الكيانات الإجتماعية المحضة، أو الإجتماعية الدينية، أو الإجتماعية السياسية، والتي يعتقدون أنها تحميهم؛ كشيخ العشيرة المتصدي وقائد الحزب الإسلامي وعالم الدين العامل؛ في مقابل الكيان السياسي القانوني ( الدولة وسلطتها)؛ لأن هذا الكيان كان ولايزال على خصومة مع الشيعة ويستهدف وجودهم.   

   ولأنك تؤكد بأنك صادقُ في دعواتك التنويرية، وبأن هدفك إنقاذ الوطن والمواطنين؛ فمن الأولى أن تركز على ماكنات تفريخ الذباحين ومصانعهم الوهابية في جدة والرياض ومكة والمدينة وكابل وإسلام آباد، وكذا التركيز على الدخان الطائفي المتصاعد من أروقة أزهر مصر؛ بدلاً من تحذير الأمة من سطوة فقهاء النجف وقم، ومن يحتمي بهم من أحزاب إسلامية ـ كما تقول ـ.

بل من المهم أن لاتعمم أفكارك على كل من ارتدى العمة؛ شيعياً كان أو سنياً، أو على كل من انتمى لتيار إسلامي.   

   وأخيراً؛ بما أنك تؤكد على المنهج العلمي في دعواتك؛ فلماذا تتعمد الخلط بين مشايخ الحكومات و وعاظ السلاطين؛ الذين يلوون عنق الدين ويصادرون عقل الأمة ويكفرون الآخر وينشرون الكراهية ويشجعون على الطائفية؛ خدمة لسلاطينهم، وبين فقهاء النجف المسالمين الداعين الى حقن الدماء والسلام وتلاحم الشعب ونبذ الطائفية والعنصرية، وتعدهم جميعاً كهنة معابد السياسيين؟!.

ملاحظة: لم أنشر رسالتك واسمك؛ حتى تأذن لي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك