محمد هاشم الحجامي ||
العراق عرف بخصالٍ كثيرةٍ وتميّز وتفرّد عن شعوب العالم بخصائص قل نظيرُها ، فمن أيها بدأت ستجده سباقا معطاءً ، فهنا الحرف ألأول وفيه كتب التلمود اليهودي وهنا كتبت أهم كتب الحديث وعاش مؤسسو الفرق والمدارس الإسلامية ، ويكفيه أنه مركز خلافة سيد الأوصياء وأشرف مخلوق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ألا هو علي بن ابي طالب عليه سلام الله .
ومما عُرِفَ عن العراقي أنه ابيٌ قنوعٌ لا يشكو فقره ولا يبين خلته حتى سارت أمثاله بهذا ؛ فقيل ( ألبس ما يعجب الناس وكلْ ما يعجبك ) ، وكأنه مصداق لقوله تعالى ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ) ،
يعمرون مضائفهم ويقرون الضيف وإن جاع أهل بيتهم ؛ فخروجهم بوجه أبيض كما يقولون هو غايتهم رغم الحاجة وضعف ذات اليد في سالف ألأزمان ، فرموز الكرم تضرب بهم ألأمثال وقصص المساعدة فيما بين العراقيين والتي غالبها تحصل سرا وتنقل بعد موت الطرفين أو من طرف ثالث لاحظها خلسة أوإطلع عليها صدفة أو حدّثه بها الشخص المعوز عمدا وهو يستشهد بخصال وعلو من أنعم عليه ومدّ له يد ألمساعدة ، ولو عددنا ما سمعناه وقرأناه وتناقلته ذاكرة العراقيين لطال بنا الحديث .
هذه الخصال التي تميزت بها بلاد ما بين النهرين يراد هدمها وتشويهها وخلق صفات وطباع لا تناسب هذا الإرث العظيم ؛ فيلاحظ المتابع في السنوات الأخيرة شيوع ظاهرة البكائية والاستجداء لدى شرائح واسعة من المجتمع العراقي رغم يسر حالها فصارت حالة وظاهرة عامة ، تجد الغني والموظف والميسور كلها تنوح كالعجائز وإن ذكرتهم بأن حالهم عكس ذلك اتهموك بالدفاع عن السلطة أو أنك منتفع من الفساد وهلم جرا من هذا الموال الذي لا ينتهي .
والسؤال من اين أتت البكائية والروح ألأستجدائية ؟؟!!
هناك مجموعة عوامل خلقت ورسخت تلك الطبيعة الاجتماعية في ذهن وتفكير العراقيين أهمها :-
أولا / الإعلام المسلط على كل ظاهرة سلبية بالعراق وكأنه البلد الوحيد بين شعوب الدنيا الذي يعاني من وجود الفقر والحاجة فكل الدول العربية ما عدا الخليجية تعيش فقرا وتشردا وعشوائيات وضعف ذات اليد تفوق بها العراق عشرات المرات فبعضها يعيش في المقابر وآخرون لا يجدون ما يسدون به الرمق ، مع هذا لا نجد الإعلام يسلط عليهم الضوء !! وحتى في داخل العراق تنتقى مدن معينة تنتمي للون طائفي محدد ليقولوا لهم حكام ألأمس المختلفين كانوا أرحم من حكام اليوم المماثلين وألأنسان بطبعه يستذكر من الماضي غالبا اللحظات السعيدة !! .
ثانيا / الصراع السياسي الذي يحاول كل طرف النيل من الخصم ولو بالتزوير والكذب بل أبعد من ذلك من خلال خلق تصور خاطىء عن الوضع في العراق وأنه بلد خربه هذا السياسي أو ذاك الحزب لا لشيء إلا لأضعاف هذا المنافس وتشويه سمعة ليحل هو محله وإن شوه سمعة البلد واربك المجتمع وصنع ثقافة هجينة تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة !!! .
ثالثا / إرث الجدات اللواتي مررن بأزمنة الفقر والحرمان فورثنها لأحفادهن وقصصهن مبكية حزينة ، فتشربت في دواخلهم وظنوا أنفسهم يعيشون عصرهن فصارت تلك التراجيديا كأنها واقع لا يقبل النقاش وحقيقة لا يعتريها الشك !!
رابعا / إدعاء الفقر والحاجة من قبل الكثير من الناس والتي يصدّق بها السامع والمتابع وكأنها واقع لا يقبل الجدل خصوصا إنْ نقلته فضائية مشهورة أو موقع الكتروني وعادة الناس تصدق الإعلام وتتفاعل معه غالبا لبساطة تفكيرها أولا وحمله على حسن النية ثانيا ولغياب الإعلام المؤثر والذي يعيد توجيه ألرأي ألعام في العراق بما ينفع الناس ويبين لهم الحقائق كما هي على أقل تقدير !!! .
خامسا / خوف الحسد فيدّعي الشخصُ العوز ظنا منه حفظ ماله وعياله من المتربصين به حيث يشيع حاجته وضعف أمكانياته ؛ تماشيا مع أدعياء الفقر والحرمان !!! وهذه شجعت حتى الأغنياء أن يدعون الفقر فصارت عبارة ( الناس كاتلها الجوع ) تردد على كل لسان .
ساسا / الصراع الدولي و الإقليمي على العراق وبما أن هناك نسبة لا بأس بها ممن يحكمون ويمسكون بالسلطة من طائفةٍ مختلفةٍ عن المحيط العربي وتحسبُ على محورٍ محدد لذا اقتضت مصلحة تلك الحكومات ومعها مؤسسات طائفية تشويه كل شئ في العراق وخلق انطباع عام بفشل تلك الطائفة وأنها سبب تجويع شعبها !!!
في الخاتمة أقول :
لا أحد ينفي وجود الفقر والحاجة في العراق فهو لا يختلف عن أي بلد في العالم ولا سوء الخدمات وقصورها ولا المحسوبية وضعف الدولة وتنمر كلٌّ صاحب شأن ؛ حتى الموظف الصغير فهو يرى نفسه شيخا في دائرته وصاحب فضل على مراجعيه لكننا نتحدث عن ظاهرة سيطرت على الأغنياء قبل الفقراء .
لعل المؤسسات التعليمية والاجتماعية والثقافية ووسائل الإعلام الوطنية تنتبه إليها وتحاول معالجتها وتسفيه أدعيائها .
https://telegram.me/buratha