حسين فلسطين ||
تكاد أن تكون المرة الأولى التي اشعر بحرج الكتابة فما ينتابني من حزن عميق جعلني ومنذ ساعات الامس الأول صريع خبر وفاة القاضي العراقي الأستاذ (محمد العريبي) ذلك الجنوبي الأشم المنحدر من ميسان الجهاد والتضحية ربيب الأصالة والاباء واحد ابناء شيوخ قبيلة البو محمد المجاهدة جمع فأجاد الجمع بين المهنية كقاضي وبين العرف والتقليد كأبن لشيخ عشيرة جاهدت الطغاة فأحسنت الجهاد مما منحاه كاريزما مختلفة انفرد بها عن أقرانه القضاة.
ظن الكثير أن بداية العريبي ستكون نهاية مبكرة له بعد تصديه وقبوله تكليف كمحقق في المحكمة الجنائية العراقية العليا المعنية بمحاكمة اركان النظام البعثي المجرم ورئيسه المقبور صدام ليكون أيقونة متميزة في أبداء الوجه المشرق للقضاء العراقي ما بعد الدكتاتورية الى حين قبوله رئاسة الهيئة الثانية في المحكمة الجنائية العراقية الخاصة بالنظر بقضايا الأنفال وقمع الانتفاضة الشعبانية المباركة اضافة لقصف حلبجة والنظر في الجرائم التي رافقت اغتيال الشهيد ( محمد صادق الصدر ) المتمثلة بأحداث صلاة الجمع في ظل الظروف القاسية والصعبة التي كان يعيشها العراق الذي ضربه الإرهاب البعثي الوهابي وجعل منه محرقة تلتهم الجميع دون استثناء فكان المطلوب الأول لبقايا خلايا البعث التي رأت فيه عدواً لا يجب بقائه على قيد الحياة.
كان الراحل حالة استثنائية انفرد بها القضاء العراقي لما يتسم به من صفات القوة والإصرار والمتابعة وعدم الرضوخ للمغريات والركون إلى الظلمة الذين افرطوا بالتهديد والوعيد لكل من يحظر او يشارك او يتفاعل مع محاكمة زمرة البعث الإرهابي إلاّ أنه كان جديرا بالتحدي من خلال إدارة جلسات المحاكمة العلنية لأعتى دكتاتور شهده التأريخ الحديث دون أن يتردد او يتضعضع او يهادن في معركة كانت وبحسب ظروفها انذاك تتجه للحسم لصالح الطاغية صدام صاحب السلاح والمال والمؤيد من قبل اقرانه حكام العرب الطغاة .
لم تتوقف مطرقة العريبي أثناء جلسات المحاكمة نتيجة نباح الطاغية المستمر وكانت ضرباتها على رأس صدام موجعة لأزلامه داخل وخارج قاعة المحكمة فلم يكن رحيماً به بل إنه كان خير من يعرف كيفية إسكاته وايقاف تبجحه من خلال خطاباته المليئة برسائل التحريض التي استطاع الراحل فهمها قبل أن ينطق بها المقبور لما لها من تأثير يزيد من حدة الصراع الطائفي الذي تقوده المليشيات السنية الإرهابية بقيادة ضباط الأجهزة الصدامية .
لقد جسد الفقيد حالة نادرة في كيفية التعاطي مع نظام بأكمله حكم العراق بالنار والحديد لأكثر من ثلاثة عقود وهو يدرك تماماً أن المهمة ليست بالسهلة في ظل وجود المحتل الأمريكي الذي كان يراعي صدام ويحتفظ به كورقة استراتيجية رابحة ممكن أن تحقق له نتائج إيجابية على المستويين الداخلي والخارجي شريطة الإبقاء على حياته التي باتت مهددة في ظل وجود قاضٍ اسمه ( محمد العريبي ) الذي كان متفهماً لضرورة حماية حقوق ضحايا هذا النظام المجرم وانه جدير بتحمل المسؤولية الشرعية والواجب الوطني والأخلاقي في تحقيق العدالة السماوية التي تحتم عليه إنزال القصاص العادل بمجموعة الوحوش التي نهشت جسد العراق وقتلت شعبه وسرقت خياراته وبددت ثرواته وانتهكت حرماته ودنست مقدساته بأساليب لم يسبق استخدامها .
حقاً كان الفقيد قاضياً بالعدل يحمل ميزان العدالة دون أن تعصب عينيه فكان ميزاناً في الموزونات وميكال في المكيلات ومقياساً في المقيسات رعى الشريعة واللائحة والنظام والعرف يحمل بروحه الطاهرة وشرفه المقدس الكفتان اللتان توزن فيهما الحقوق لإصدار الحكم الذي يحقق العدالة وينزل القصاص فللعراق فيه حياة ..
https://telegram.me/buratha