محمد عبد الجبار الشبوط ||
الدولة الحضارية الحديثة ، سواء كانت اسلامية او علمانية او اي وصف اخر، مسؤولة عن ضمان الحد الادنى الحافظ للكرامة والبقاء على قيد الحياة لجميع مواطنيها.
والصحيح ايضا ان المسؤولية الاولية لتحقيق ذلك تقع على الفرد. فالفرد هو الذي يسعى من خلال عمله الى توفير متطلبات معيشته. ولكن اذا عجز الفرد عن ذلك لاسباب خارجة عن ارادته، فان المسؤولية المباشرة تعود الى الدولة، التي عليها ان تقوم بحزمة اعمال واجراءات من اجل تحقيق هذا الهدف.
والاجراء الاساسي الذي يتعين على الدولة القيام به هو خلق ظروف وشروط وفرص عمل تتيح للافراد الانخراط بها، وكسب متطلبات معيشتهم من عملهم المباشر.
وفي حال تعذر ذلك، لاي سبب من الاسباب، فان الدولة مسؤولة عن توفير الحد الادنى لمتطلبات المعيشة، من الدخل والسكن والصحة والتربية، وتمويلها من المال العام، من مصادره المعروفة، اي الثروات الطبيعية، والضرائب، واجور الخدمات التي تقدمها الدولة كالماء والكهرباء والهاتف والبريد وغيرها.
وفي حال تعذر ذلك لاسباب متعلقة بعدم كفاءة الدولة، فان المسؤولية تنتقل الى المجتمع نفسه. وعلى المجتمع ان يتحرك بخطين متوازيين، هما: العمل على تغيير الجهاز التنفيذي والتشريعي غير الكفوء للدولة، والعمل المباشر من اجل اغاثة الفقراء في المجتمع.
والفقر بحد ذاته مؤشر خطير الى وجود خلل كبير على مستوى ادارة الثروة وتوزيعا من قبل السلطات المعنية بالدولة، ويعود هذا الخلل الى عوامل واسباب كثيرة في مقدمتها التخلف والفساد وعدم الكفاءة.
وهذه الاسباب الثلاثة موجودة بقوة في مجتمعنا. ولا جدوى من الانكار والتكرار.والامر ملموس محليا ومثبت عالميا، حيث بلغ عدد الفقراء اكثر من ١٠ ملايين فقير.
ولهذا وجب ان يتحرك المجتمع على مستوى الخط الثاني وهو اغاثة الفقراء في المجتمع من خلال تفعيل مبدأ التكافل الاجتماعي وهو مبدأ معمول به في الدول الحضارية سواء كانت اسلامية ام علمانية ام اي عنوان اخر.ويستند هذا المبدأ الى قانون يذكره الاسلام والفكر الوضعي وهي حق الفقراء في اموال الاغنياء، كما ورد في القران الكريم: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"، وقوله:"إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ".
وهذا المقال دعوة انسانية لان يقوم المواطنون الذين هم فوق خط الفقر باغاثة المواطنين الذين هم دون خط الفقر وبمعدل ٣ الى واحد.
ويمكن ان يتحقق ذلك بطرق ومستويات مختلفة. فبالامكان تحقيق التكافل الاجتماعي بصورة فردية بان يتفق كل ثلاثة مواطنين على اعالة مواطن فقير واحد او اكثر، او ان تشكل لجان او هيئات محلية لاغاثة فقراء محلتهم، او ان تقوم مؤسسة وطنية خيرية جامعة بتحمل المسؤولية على مستوى الوطن كله، وبرعاية جهة موثوقة في البلد كالمرجعية الدينية.
حسب معلوماتي فان هناك الكثير من المواطنين المنخرطين بافعال على مختلف المستويات من اجل اغاثة اخوانهم المواطنين الفقراء.
لكن من الواضح والمؤكد ان هذه الجهود المشكورة لا تغطي حاجة ١٠ ملايين مواطن، الامر الذي يستلزم تصعيد الدعوة وتكثيفها من اجل تفعيل التكافل الاجتماعي من اجل الفقراء على مستوى واسع جدا يتسع لكل ارجاء الوطن الممتد من اقصى الشمال الى اقصى الجنوب، ومن اقصى الشرق الى اقصى الغرب. ويمكن ان يتصدى لهذه الدعوة الكريمة المرجعية الدينية والجمعيات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني والاعلاميون والفنانون والادباء والكتاب. هذا الى ان تقوم في العراق دولة حضارية حديثة قادرة على تحقيق العدالة الاجتماعية وكفالة الفقراء.
https://telegram.me/buratha