المقالات

مُجاهدونا وُلِدوا من رَحم المحنة والظلم والألم (3-3)

1975 2021-04-25

 

عباس سرحان ||

 

بعد أن تمكّن نظام صدام بقرار دولي عربي من التنكيل بالثوار في وسط وجنوب العراق وإخماد الانتفاضة الكبرى التي اندلعت ضده عام 1991 وحررت كل مدن الجنوب.

 ظنَّ أن الامور استتبت له مجددا خصوصا وأنه أعطى الأوامر لأزلامه بإبادة كل من يعتقدون بعدم ولائه للسلطة، واستخدام أقصى درجات العنف والبطش بحق معارضيه.

فكانت الاعدامات تُنفذ في الشوارع بشكل عشوائي، وتعمّد النظام ترك جثث الشهداء ممن يتم اعدامهم في الساحات العامة لعدة أيام، لإرعاب الناس وإيذاء ذوي الشهداء والتعدي على مشاعرهم.

 ودُفن آلاف الاشخاص وهم أحياء في مقابر جماعية كُشف منها نحو 350 مقبرة  لاحقا،  ضمت رفاة أطفال ونساء وكبار سن لم يكن لهم أي دور في الانتفاضة ضد الطاغية، إنما أُعدموا لدواع طائفية لا أكثر.

لكن أماني صدام بالسيطرة على الجنوب ذهبت ادراج الرياح، فالثورة الجنوبية انتقلت من العلن إلى العمل تحت الأرض وتمكنت قوى المعارضة المهمة من إيجاد مقرات علنية لها في مناطق عديدة في جنوب العراق.

وكان حسين كامل صهر صدام وأحد المشاركين في قمع انتفاضة شعبان، اعترف علنا في مؤتمر صحفي بعد هروبه الى الاردن في 1995 بفقدان النظام السيطرة على الجنوب ليلا بفعل قوة المجاهدين.

لاسيما وقد انظم الآلاف من الثوار الذين نجوا من بطش السلطة ولجأوا الى دول الجوار،  للحركات الجهادية التي تشكلت سابقا في تلك الدول وبدأت مرحلة جديدة من الصراع مع نظام الطاغية صدام.

وشهدت أهوار الجنوب بعد اسابيع من انتفاضة شعبان تدشين العديد من المقرات الجهادية المسلحة التي كانت مهمتها إسناد الكفاح المسلح والعمل السري في المدن.

ومن أبرز الحركات التي استحدثت لها مقرات فاعلة في اهوار الجنوب مطلع التسعينيات وتمتعت بعلاقات قوية مع السكّان وأصبحت ملاذا للثوار المطاردين من قبل السلطة، هو فيلق بدر( منظمة بدر ) الذي عمل في الجبايش والعمارة والصيكل.

 كما أن مجاهدي الثورة الاسلامية في العراق دشنوا مقرات جهادية فاعلة في مناطق مختلفة، من الأهوار، وكانت لحزب الدعوة الاسلامية في منطقة الجزيرة والناصرية مقرات جهادية  تدير عملا سريّا كبيرا في المدن، برغم الظروف الصعبة التي واجهت المجاهدين.

 أما في زورة آل جويبر القريبة من قضاء سوق الشيوخ في الناصرية، فأسس سيد حمزة الموسوي حركة 15 شعبان .

وكانت هناك مقرات أخرى لحركات جهادية عديدة في الطار والعدل وغيرهما، وتمكنت هذه المقرات من ادارة عمل جهادي كبير وأطاحت برؤوس بعثية مهمة من بينها اعضاء في القيادة القطرية لحزب البعث.

وصدت مقرات المجاهدين مجتمعة هجمات عنيفة لقوات النظام آنذاك الأمر الذي دفعه الى تجفيف الأهوار والقضاء على بيئة تاريخية زاخرة بالحياة مثّلت نمطا فريدا للحياة في الأدغال والمستنقعات.

ولم يعرف المجاهدون في مقرات الاهوار على مختلف مسمياتهم الفرقة والاختلاف بل كانوا يدا واحدة ضد الطاغية وجمعهم هدف واحد وهو الانتصار للمظلومين من ابناء شعبهم  وبشتى السبل.

وكثيرا ما شهدت عمليات المجاهدين تنسيقا بين مقراتهم واستعان بعضهم ببعض، ونفذ مجاهدو فيلق بدر والثورة الاسلامية وحزب الدعوة و15 شعبان عمليات مشتركة هزّت عرش النظام وقتها وكانت مثالا للوحدة والتنسيق المشترك.

وقد يتساءل نفرٌ هذه الايام عن سبب لجوء المجاهدين في الحركات الاسلامية الى السلاح في مواجهة النظام البائد، مدّعين أن الكفاح السلمي أو السياسي هو الطريق الأفضل للتغيير.

وغالبا ما يتم ترديد هذا السؤال على ألسنة البعثيين لأهداف تسقيطية يريدون منها تشويه صورة الاحزاب الاسلامية العاملة في الساحة اليوم والطعن بتاريخها، ويكرر شباب قليلو التجربة والخبرة ولم يشهدوا تلك المرحلة الدامية من تاريخ العراق هذه المغالطات عن حسن نية.

ونقول ليس غريبا أن يلجأ المجاهدون الى الكفاح المسلح لملاحقة البعثيين ممن تسببوا بقتل عشرات الآلاف في انتفاضة شعبان وحدها، فضلا عن جرائمهم فيما سبق الانتفاضة.

فحين لا تحترم السلطة حق التظاهر ولا تذعن لمطالب المواطنين وتتخذ قرارات تدميرية  ترقى الى مستوى الجرائم الانسانية التي الحقت الدمار والخراب بالوطن والناس وضيعت حياة جيلين من العراقيين.

 فليس أمام الأحرار الا مواجهة هذه السلطة بالاسلوب الذي تعرفه، فكما هي تستخدم العنف ضد الشعب فللشعب حق اللجوء الى السلاح ليدافع عن نفسه، خصوصا وأن السلطة لم تأت عبر صناديق الانتخابات إنما جاءت بانقلاب عسكري دامٍ.

ولم تكن هناك فرصة لاجراء انتخابات حتى يتشبث الناس ببصيص أمل في التغيير، فالنظام ديكتاتوري طاغ لايجيد الا لغة القوة، وليس كحال العراق اليوم حيث كفل الدستور حق التظاهر، ومكّن المواطنين البالغين من الادلاء باصواتهم وانجاز التغيير السياسي  ان ارادوا التغيير حقا.

لقد قطع العراق شوطا مهما في الخلاص من الديكتاتورية وكان للشهداء والمجاهدين دور مهم في تخطي تلك المرحلة الدامية المليئة بالألم والمآسي.

ولكن القوى الدولية والاقليمية المعادية لم تترك العراقيين وشأنهم وعادت لتتحكم بقرار العراق وسيادته وثرواته وهي مرحلة بالغة الخطورة تتطلب موقفا واعيا وحاسما وتنسيقا عميقا بين القوى الوطنية المجاهدة لانقاذ العراق من الهيمنة الخارجية.

ــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك