المقالات

التواصل وتداولية الخطاب

1554 2021-05-03

 

د. حسين القاصد ||

 

 ان أي نص ابداعي ليس له أن يكون مخلوقاً جديدا بالمعنى الانفصالي التام عما سبقه ، وبصورة أدق ( نجد أن مانقوله يعتمد على مايقوله الآخرون وماقالوه ، ومانتوقع منهم ان يقولوه ، وتعد محادثاتنا حوارية ، وكذلك ابداعنا) ،ومن هذا ، نجد أبا الطيب المتنبي يقول :

وصرت أشك في من أصفيه       لعلمي أنه بعض الأنام

هنا نجد حوارية بوح ، فلقد رأى باختين ( ان التواصل هو ـ بالدرجة الأولى ـ حوار ... فإننا نكتب أو نتحدث فنحن نباشر ذلك مع متلق أو مستمع متمثل في العقل ، كما أن كتابتنا وكلامنا هو دائما مرتبط بتلك الأفكار والمعتقدات التي كانت في الماضي ) ، ولو أمعنا قليلا لوجدنا جذرا لشك المتنبي ، فهو مرتبط بما قيل من شعر في الماضي ؛ وهنا يجد النقد الثقافي نسق الاتكاء على الماضي ليجعله الشاعر جسرا الى المتلقي ، بينما تجد الذرائعية ان التأويل التداولي يشي بالاقتضاء التداولي ، فالمعنى الواضح هو ان المتنبي فقد الثقة بمن حوله ، لكن هذا لايمنع من ان نقول ان الناس ليسوا اهلاً للثقة ، وفي كلا التشخيصين الثقافي والتداولي نرى ان المتنبي بحاجة شديدة للتواصل ، فالتواصل  يحقق غاية المتنبي الشخصية ، لأن ( عملية الحوار هذه تستمر حتى وإن لم نكن بالفعل نتحدث الى اشخاص ، فهي تحدث عندما نكتب أو ـ توسعا ـ مع أي نوع من النشاط الابداعي) ؛ والحوار الابداعي هو رسالة الى متلقٍ وهذا المتلقي من حقه ان يرى صورة الحياة التي ولد في كنفها هذا البيت ، ولنأخذ بيتا آخر لأبي الطيب :

وضاقت الأرض حتى كان هاربهم          إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

ولا شك اننا نلمس ترسيخا للخوف ، فالهارب لايكون ضمن مجموعة ، لاسيما ان الحرب كانت بالسيوف وليس بالاسلحة الكيماوية والقنابل النووية ؛ بمعنى أن الهروب انفرادي ، وأي انفراد مرعب خوفا من ظهور شخص ثانٍ ؛ فالشك عند المتنبي ليس حاضرا انما هو ماض مموه ، كذلك الخوف عند "هاربهم" الذي جاء على لسان المتنبي هو تكرار لمعرفتنا ان السير في مكان خال بشكل انفرادي يشكل رعبا يصل الى ان المرء اذا رأى غير شيء ظنه رجلاً ؛ وتكرار معرفتنا للشيء لا شك انه نافع جدا ، فمن بعض اشتراطات النقد الثقافي هو ان يكون الناقد الثقافي ملمّا ببعض مايخص المبدع قبل ان يتناول منجزه ،  لذا نرى ان الناقد الثقافي يكون ـ على الغالب ـ معنيا بسلوك المؤلف وحياته اكثر من عنايته بنصه الابداعي ، لأن النقد الثقافي معنيّ بالنسق المضمر وفضح عملية التسلل الى الغايات باسلحة بلاغية للتغطية على غاية مضمرة .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك